وقف النار المتحقق مع حزب الله وإن كان يتضمن إنجازا إستراتيجيا في شكل فك الارتباط بين ساحات القتال في لبنان وفي قطاع غزة، لكنه في نفس الوقت يعكس تفويتا لفرصة ذهبية توجد في أيدي إسرائيل. بطبيعة الأحوال، تبرز إيران في غيابها في اتفاق وقف النار المتحقق. فهي ليست طرفا في الاتفاق ولن تكون ملتزمة به. من غير المعقول أن توافق على أن تتخلى عن منظمة حزب الله، ذراعها الإستراتيجي المتصدر في الشرق الأوسط، الذي يؤدي دورا مهما في تحقيق خطتها لفرض الهيمنة الإيرانية في المنطقة وخطتها لإبادة إسرائيل – وعليه فإن إيران ستستغله، فورا بعد وقف النار، كي تحرك خطة شاملة لترميمه وحفظ هيمنتها في لبنان. معقول أن يختار حزب الله بداية أن ينطوي على نفسه وأن يرمم نفسه ومكانته، بعد أن تلقى انتقادا من أوساط قاعدته الاجتماعية في الطائفة الشيعية أيضا. بمعونة مليارات الدولارات من إيران سيفعل خطة ترميم مكثفة. وإلى ذلك يجدر بنا أن نتذكر الوحدات المختلفة في فيلق القدس، المسؤولة عن تسليح وتعاظم حزب الله ستؤدي غايتها وستعمل من تحت الرادار. هذه الوحدات – وعلى رأسها وحدة 190 المسؤولة عن تهريب السلاح لحزب الله؛ والوحدة 340، المسؤولة عن تحسين الدقة، توسيع المدى وزيادة قدرات التدمير لمنظومة الصواريخ لحزب الله - انكشفت مؤخرا في وسائل الإعلام، في إطار الصراع الإستراتيجي بين إسرائيل وإيران. فضلا عن ذلك، فان نشطاء حزب الله وبينهم قوة الرضوان، سيعودون لتلقي التدريب والتأهيل في إيران وبينهم من سيساعدونه في تحقيق تطلعه لاجتياح إسرائيل في إطار خطة "احتلال الجليل". في الاتفاق المتحقق تبرز مبادئا إشكالية. كما ثبت مع اليونيفيل، لا يمكن لإسرائيل أن تودع أمنها في ايدي دول أخرى للمساعدة في انفاذ القرار 1701. كما أن الجيش اللبناني – الذي هو المرسى الإستراتيجي المركزي في السياسة الأمريكية في لبنان – مخترق من حزب الله، بعض من مقاتليه يعملون فيه كضباط هو أدنى مقارنة بحزب الله وعديم القدرة او الدافع للوقوف في وجهه، مثلما تتوقع الولايات المتحدة منه أن يفعل في إطار الاتفاق. لقد سبق لخامينئي زعيم إيران أن أعلن أن حزب الله هو المنتصر في الحرب. رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد بكري، أعلن أول من أمس بأن تطلع إسرائيل لان تعيد الأمن إلى الشمال ليس إلا وهما. رغم تصفية القيادة العليا لحزب الله وزعيمه، والضربة غير المسبوقة التي تلقاها الحزب، فإن طهران تتطلع إلى الأمام – فهي تتمسك لبقاء حزب الله وبالهجمات المتواصلة التي نفذها، كي تدعي انتصاره ومسيرة التعلم التي ستعمل عليها كي تحسن جاهزيته للحرب التالية ضد إسرائيل. إن غياب منطقة فاصلة يعد بأن يعود حزب الله إلى الحدود برعاية سكان جنوب لبنان ويستأنف التهديد الكامن الذي سيتصاعد كلما رمم – بمساعدة إيرانية مكثفة – بناه التحتية في المنطقة. بعد أن تنسحب إسرائيل من لبنان وتسرح قوات الاحتياط، سيصعب عليها العودة إلى القتال المكثف ضد حزب الله. وغياب جهاز مطلق يضمن لها حرية العمل في الحالات التي يخرق فيها حزب الله في الاتفاق، برعاية إيران، يدل على أن إحساس تفويت الفرصة الذي يشعر به الكثيرون في إسرائيل محق. إن الإنجازات المهمة التي حققتها إسرائيل في ميدان المعركة في لبنان لا تترجم في الاتفاق المتحقق إلى مبادئ تضمن أهداف هذه الحرب التي اعدت لتثبت ان إسرائيل لم تعد أسيرة للمفهوم المغلوط لـ6 تشرين أول (أكتوبر). فضلا عن هذا، فانه طالما لم تعالج إيران – التي تدير منظومة الوكلاء، والتي حزب الله هو فيها "درة التاج" – فمن المتوقع لها أن تواصل تآمرها في لبنان كي لا يتضعضع احتلالها له من