يتقدم اليوم رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ببيانه الوزاري الذي سيطلب بموجبه الثقة من مجلس نيابي تم انتخابه مؤخرا وفق أسس جديدة، تعلي من شأن العمل الحزبي، وتمنح له مساحة واسعة داخل مجلس النواب، من أجل أن يؤسس للحكومات البرلمانية التي ستأتي تطويرا لعمل المجلس اليوم. هذا الأمر، يحتم أن تكون العملية برمتها مختلفة عما كان عليه الأمر خلال البيانات الوزارية السابقة التي استمعنا إليها خلال العقود الماضية. والاختلاف ينبغي أن يكون من الطرفين؛ رئيس الحكومة الذي ينبغي أن يضع في حسبانه بأنه أمام لحظة تاريخية يؤسس فيها للواقعية السياسية وشمولية الطرح وعدالة توزيع الأهداف القابلة للتحقيق، ومجلس النواب الذي لا بد أن يخرج من ثوب الشعبوية، والارتقاء إلى حجم اللحظة الراهنة، ومهمته بالتأسيس لتقاليد برلمانية جديدة هدفها الصالح العام، وليس أي شيء آخر. مناقشة بيان حكومة حسان ستكون فرصة جيدة لاختبار الطرفين؛ التزام الحكومة وجدية النواب، فهل سيأتي بيان الحكومة "كلاشيها" كما غيره من البيانات، وهل سيظل أداء النواب محكوما بالشعبويات التي لا تقدم ولا تؤخر، وهل ستبقى كلماتهم مليئة بالشعارات، أم أنهم سيقترحون أداء منسجما مع المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ومع الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن اليوم؟! الطرفان يخضعان اليوم لأول اختباراتهما الحقيقية أمام الشارع، سنستمع إلى الرئيس، ونقف على مضمون بيان نيل ثقة مجلس النواب، ولا بد أننا سنحاول معرفة ما الجديد في بيان حسان، فهل سينجح بأن يقدم لنا مشروعا مختلفا هذه المرة، يكون فحواه برنامجا عمليا قابلا للإنجاز، ويشتمل على أولويات ممكنة التحقق، ويبتعد فيه عن استثارة العواطف، واللعب على أوتار الوعود المكررة والمبالغ بها، فنحن نريد حديثا يحترم عقولنا وطموحنا وإمكانياتنا، ولا نريد أن يأتي من "يكبر حجره"، ويسمعنا "مواويل" تخدرنا، فنحن لم نعد نثق بهذا النوع من الخطابات. منذ استلامه دفة الدوار الرابع، والرئيس يجتهد في العمل وفق نهج جديد، وقد نجح حتى الآن في تقديم أداء متزن نال استحسان شريحة واسعة من المواطنين مع علمنا بأن فترة خدمته القصيرة حتى اليوم لا يمكن الحكم عليها، إلا أننا لن نقبل منه بيانا وزاريا تقليديا، وهو الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا ينبغي على الرئيس تجاوزه وعدم الوقوع في فخه. في واحد من الأمثلة الأكثر حضورا وسطوعا اليوم، والتي سوف يخضع حسان للتقييم تبعا لكيفية التعامل معها، هو ما يتعلق ببرنامج التحديث الاقتصادي الذي رعى جلالة الملك إطلاقه في حزيران 2022، فرغم الإعلان عن البرنامج التنفيذي بعد ذلك بأشهر، ومن ثم جدول زمني للتنفيذ، إلا أن غالبية الخبراء والمتابعين يؤكدون أن أهم ركائز هذا البرنامج لم يتحقق لغاية اليوم، ما يعني أن على الرئيس حسان القادم من مكتب جلالة الملك أن يكون مدركا بشكل أكبر لحاجتنا في تسريع وتيرة العمل بهذه الرؤية، واتخاذ قرارات تدفع باتجاه وقف هدر الوقت بخصوص برنامج التحديث. ننتظر أن نسمع منه اليوم حديثا حاسما ومقنعا بهذا الإطار، وكذلك في شأن خطة التحديث الإداري، وغيرها من الملفات التي يتوجب على الحكومة أن ترفعها من حالة التجميد. لا نريد أن نستبق الأمور، وأن نطلق العنان للأحكام المسبقة بخصوص مضمون بيان الثقة الحكومي، لكني كغيري من الأردنيين، سأكون محبطا جدا إن سار البيان في الإطار ذاته الذي اعتدنا عليه، وسأكون مخذولا كذلك، إن سارت النقاشات النيابية على المسار نفسه من دون الالتفات إلى التغيرات الكبيرة التي ينبغي أن تحدث.