معارك ميليشيات المتمردين في سورية، برعاية تركيا، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، تتوسع في الفترة الأخيرة لتصل الى منطقة مدينة حماة بعد السيطرة على جزء كبير من حلب، والقوات الآن تصطدم بالأكراد. خطة الهجوم، التي حتى الآن تواجه معارضة محدودة لسورية وبهجمات روسية من الجو، ما تزال غير متبلورة. ولكن يبدو أنه في نية الميليشيات خلق منطقة عازلة بين الحدود مع تركيا والمحافظات الكردية بصورة تتلاءم جيدا مع الخطة الرئيسية الاستراتيجية لتركيا، التي تطمح الى إقامة "حزام أمني" بمسافة 25-30 كم على طول الحدود.
تركيا تحاول في الحقيقة التوضيح بأن قواتها لا تشارك بشكل مباشر في القتال، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أعلن بأنه يجب عدم وصف الأحداث في سورية كتدخل أجنبي، أي تركي. ولكن يصعب إيجاد من يصدق هذا الادعاء. فتركيا قامت برعاية الـ12 ميليشيا التي تعمل باسمها ومن أجلها. وحسب رئيس المعارضة في سورية التي حصلت على الاعتراف في المجتمع الدولي، فإن التخطيط للهجوم بدأ قبل سنة، ولكن تم تأجيله بسبب الحرب في غزة وفي لبنان.
يصعب الاعتقاد بأن أنقرة لم تعرف عن الخطط ولم تعط لها الضوء الأخضر. ليس بالصدفة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يظهر الآن كمن يمسك بيديه زمام الأمور العسكرية والسياسية في سورية. يبدو أنه يطمح الى أن يحقق بواسطة الميليشيات ما فشل حتى الآن في تحقيقه بالدبلوماسية. في السنة الماضية، حاول أردوغان تلمس طريق عودته الى دمشق، لكنه ووجه برفض مطلق من بشار الأسد. الرئيس السوري طلب أن تقوم تركيا بسحب كل قواتها من سورية كشرط لإجراء المفاوضات حول استئناف العلاقات التي قطعت في العام 2012، في أعقاب المذبحة التي نفذها الأسد في أبناء شعبه. منذ ذلك الحين، تحول الصديقان الحميمان؛ الأسد وأردوغان، الى عدوين لدودين، وأردوغان لم يتوقف عن المطالبة بإزاحة الأسد عن الحكم.
في الوقت نفسه، اقتحمت القوات التركية الأراضي السورية، وبمساعدة ميليشيات مخلصة لأنقرة سيطرت على قرى وبلدات في المحافظات الكردية التي طرد الآلاف من سكانها، كثيرون منهم انتقلوا الى حلب وإدلب، وفي هذا الأسبوع، ذهب أيضا بعضهم في أعقاب المعارك. رغم ذلك، فإن السيطرة الجغرافية لتركيا على طول الحدود في العمق السوري لم تستكمل بعد. قوات كردية مسلحة، التي تنتظم في إطار "قوات سورية الديمقراطية" تسيطر على جيوب للأكراد التي تمنع خلق التواصل الذي تطمح إليه تركيا.
هذه القوات تتكون من المقاتلين الأكراد الى جانب مقاتلين عرب. وقد تم تشكيلهم على يد الإدارة الأميركية من أجل محاربة داعش، وبعد ذلك أصبحوا بؤرة خلاف رئيسية، تسببت بتدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة. في 2019، اقترح أردوغان على الرئيس دونالد ترامب تحمل المسؤولية عن محاربة بقايا داعش بدلا من القوات الكردية. في البداية وافق ترامب على هذا العرض وأعلن عن نية سحب القوات الأميركية من سورية. ولكن في حينه ووجه بانتقاد داخلي شديد ومن المجتمع الدولي واضطر الى أن يتراجع.
دخول جو بايدن الى البيت الأبيض مثل انخافظا الى درجة الحضيض في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ليس فقط بسبب قضية الأكراد. بايدن أعلن عن الدعم غير المحدود لأكراد سورية، وخلال أشهر، امتنع عن الالتقاء مع أردوغان. فهو أيضا لم يعتبر أردوغان شريكا في إدارة النزاعات الإقليمية، وحتى رفض اقتراحه للتوسط بين روسيا وأوكرانيا. إضافة الى ذلك، بايدن أصبح هدفا لانتقاد الكونغرس بعد مصادقته لتركيا على شراء طائرات "اف 16" مقابل موافقة أردوغان انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو. يبدو أنه بعد فوز ترامب في الانتخابات الأميركية، فإن أردوغان