يترك سقوط نظام بشار الأسد الأبواب مشرعة أمام تحديات كبيرة في سورية، حيث يتعين على المجتمع الدولي دعم انتقال سياسي شامل وتقديم مساعدات لإعادة بناء البلاد، مع مواجهة مخاوف من الفوضى والصراعات بين الجماعات المسلحة. *** قبل فرار بشار الأسد من سورية في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الحالي، لم تكن سوى قلة من الدول ترغب فعلياً في سقوط حكومة الديكتاتور السوري. ولم يكن السبب وراء ذلك أن الحكومات الأجنبية تحب الأسد أو توافق على الطريقة الوحشية التي حكم بها سورية، بل لأنها كانت تخشى مما قد يحل محله: حكم الجماعات المسلحة المتطرفة، والصراعات الطائفية، والفوضى التي قد تبتلع سورية -لا بل معظم الشرق الأوسط. كانت هذه الرؤية المخيفة أيضاً هي حجة نظام الأسد للبقاء، إذ كان يدعي أن استمراره في الحكم يمنع الفوضى والمجازر، وكان كثير من الناس، بمن فيهم صناع السياسات الدوليون، مقتنعين بذلك. في العام 2015، عندما اقتربت المعارضة المسلحة من الإطاحة بالأسد، اعتبر المسؤولون الأميركيون احتمال انتصار المعارضة بصورة كاملة وسقوط النظام بمثابة "نجاح كارثي". والآن، رحل الأسد. والسوريون يحتفلون في شوارع دمشق، وجماعات المعارضة تحاول تنظيم انتقال سياسي، والعالم على وشك اكتشاف ما سيحدث بعد سقوط النظام. وقد ظل الأسد قاسياً وظالماً حتى النهاية، على الرغم من أنه كان يدير دولة تزداد فقراً واختلالاً. وترك الأسد وراءه بلداً محطماً، وأي حكومة جديدة -ناهيك عن ائتلاف من جماعات المعارضة المسلحة المتناحرة- ستواجه تحديات جسيمة في التعامل مع هذه الظروف. ومع ذلك، فإن السجل السيئ للجماعات المتمردة السورية عندما سيطرت على مساحات كبيرة من الأراضي يجعل التفاؤل أمراً صعباً أيضاً. مع ذلك، فإن نجاح سورية يصب في مصلحة الجميع. السوريون لا يريدون مزيداً من المعاناة والدمار، والمجتمع الدولي لا يستطيع أن يقف موقف المتفرج أمام تفكك سورية. والآن على الدول المعنية أن تبذل قصارى جهدها لمساعدة سورية، بما في ذلك تشجيع انتقال سياسي سلمي وشامل، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية سخية، لضمان عدم تحقق أسوأ المخاوف بشأن سورية ما بعد الأسد. سقوط الأسد في العام 2011، حاول نظام الأسد قمع حركة احتجاجية وطنية عمت جميع أنحاء البلاد. وتحولت هذه الاحتجاجات إلى تمرد مسلح، واجهه الأسد بعنف متصاعد ووحشي. وفي مراحل عدة من الحرب التي تلت ذلك، بدا أن حكومة الأسد كانت في خطر حقيقي من أن تدحرها قوات المعارضة المسلحة. لكن التدخلات العسكرية من حليفَي الأسد، إيران وروسيا، ساعدت على استقرار حكومته عسكرياً ومكنتها من استعادة السيطرة. وبين العامين 2015 و2020، قصف الأسد المعاقل التي سيطرت عليها المعارضة في جميع أنحاء سورية بغية إخضاعها، وتمكن من استعادة معظم البلاد. ثم دخلت الحرب حالة من الجمود لفترة مطولة. وخلال هذه الفترة، عززت تركيا سيطرتها على معاقل المعارضة الباقية في شمال سورية، في حين بسطت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة نفوذها على شرق سورية، بما في ذلك على الموارد الزراعية والبتروكربونية (المركبات العضوية المشتقة من البترول أو الغاز الطبيعي) الأكثر قيمة في البلاد. وبسبب العقوبات الأميركية الجديدة وانهيار الاقتصاد في لبنان المجاور، غرقت سورية بأكملها، خصوصاً المناطق الخاضعة لحكم النظام، في أزمة اقتصادية عميقة. ومع ضعف مؤسسات الدولة السورية وجيشها تدريجاً، ظهر عجز الحكومة، بسبب ندرة الموارد، عن تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار المناطق التي استعادتها من المعارضة. ولكن، في هذا العام، ومع انشغال إيران وروسيا في نزاعات