بعد المناوشات القوية مع حماس في غزة وحزب الله في لبنان، بقينا "فقط" مع منظمة عنيدة وغير مستسلمة، حاليا. الحوثيون في اليمن، الذين يعبرون عن التضامن مع حماس وغير مستعدين للتنازل. الولايات المتحدة ودول التحالف الخاص الذي أقيم ضد الحوثيين يواصلون القصف في اليمن، لكن يبدو أن هذه الأعمال لا تحيد الحوثيين عن رأيهم أو تحبط خططهم. هكذا أيضا حقيقة أن إسرائيل ضربت الحوثيين في اليمن ثلاث مرات على الأقل. وأقسم وزير الدفاع إسرائيل كاتس بالوصول حتى إلى الزعيم عبد المالك الحوثي. من المهم أن نفهم: رغم أن الحوثيين يعملون سفنا تجارية في مضائق باب المندب ويطلقون الصواريخ والمُسيرات نحو إسرائيل من منطقة الميناء، فإنهم لا يوجدون في مناطق الهجوم. حتى حجم قواتهم غير معروف بين 150 - و250 ألف مقاتل بالإجمال، من أصل عدد من السكان اليمنيين يبلغ 34.5 مليون. كلهم -الحوثيون، الشيعة واليمنيون السنة معروفون ككارهي إسرائيل. يختص الحوثيون بالعمل من بعيد بواسطة صواريخ من إنتاج إيراني، ومُسيرات حديثة. ومشوق أن نعرف أن ضباطا كبارا في سلاح الجو في إسرائيل تلقوا توصيات بأن "يتورطوا مع الحوثيين أقل ما يمكن"، وترك الأميركيين والتحالف يقومون بالعمل. لماذا؟ معروف أن الحوثيين يعتبرون كمنظمة مختلفة وغير عادية. الصواريخ تأتي الآن من جهتهم فقط. ليس من قبل حماس ولا حزب الله، وسورية الجديدة لم تكشف بعد عن وجهها الحقيقي. تبدو هجمات الحوثيين على إسرائيل حاليا كهجمات مخطط لها لأن تصل في أوقات متقاربة أكثر. فمن بداية كانون الثاني (يناير) الماضي فقط، أطلق الحوثيون صواريخ أو مُسيرات ثماني مرات على الأقل. وسارعت إسرائيل لأن ترد بهجوم على أهداف دقيقة في العاصمة صنعاء، والولايات المتحدة هاجمت بالتوازي. لكن ما الذي حصل في الجانب الآخر؟ الحوثيون أقسموا بالذات على أن يواصلوا الهجوم إلى أن توقف إسرائيل الحرب في غزة. اليمن هو الدولة الأفقر بين دول الشرق الأوسط. صور سكان الجوعى، الأطفال الذين ينازعون الموت بأمراض معدية، وعلى رأسها شلل الأطفال والطاعون، تقشعر لها الأبدان. وتصل المساعدات عبر البحر في أوقات متباعدة. وفي المستشفيات أيضا، نفدت مخزونات الأدوية، والمواطنون اليمنيون يضطرون للاستعانة بخدمات متطوعين في العيادات. حتى الآن، لم تنجح الهجمات الإسرائيلية على أهداف وقواعد الجيش في مناطق الحوثيين في اليمن في أن تكبد قيادة الحوثيين خسائر حقيقية. فالقائد، عبد المالك والناطق الحوثي يحيى السريع، في خطاباتهما الغريبة والمشفقة، يواصلان التهديد بأكثر الكلمات وضوحا على الولايات المتحدة، على بريطانيا وأساسا على إسرائيل. إلى أن يتحقق وقف نار كامل في غزة، سيواصل الإيرانيون تزويد قيادة الحوثيين ليس فقط بالسلاح وبالعتاد العسكري، بل وأساسا بتعليمات ألا يتوقفوا وأن يواصلوا مهاجمة إسرائيل. يجدر بنا أن نذكر عنصرا إضافيا: الحوثيون أبعد بكثير عن إسرائيل مقارنة بحماس في غزة أو حزب الله في لبنان نحو 1500 كيلومتر. اليمن، بخلاف لبنان أو غزة، تقع في مساحة هائلة ولم يسبق لنا أن كانت تجربة في مناطق الخليج في مواجهة طويلة مع زمن طيران طويل ومع منطقة جديدة وغير معروفة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أقسم، الأسبوع الماضي، بأن يدفع الحوثيون ثمنا باهظا على هجماتهم، وزير الدفاع كاتس، سار شوطا أبعد في تهديداته. غير أن عبد المالك، القائد الحوثي الكبير، لم يبدُ مفزوعا. الآن ننتظر -عندنا أيضا، وفي إيران وفي صنعاء- دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. يمكن الافتراض بأن المسؤولين الأميركيين الجدد ينكبون منذ الآن على خرائط الخليج، يخططون