سيكون تبني الحكومة المقبلة أو عدم تبنيها صيغة قديمة مقياسا مهما لمدى قوة "حزب الله".
* * *
عندما يحل شهر كانون الثاني (يناير)، حيث يفترض أن ينتخب لبنان رئيسًا جديدًا للجمهورية، سيحدد مصير بضع كلمات موقع لبنان اليوم، وقوة "حزب الله" النسبية، والمزاج السائد لدى مختلف الطوائف في البلاد. هذه الكلمات، كما يمكن لأي متابع للشؤون الداخلية أن يخمن، هي: "الجيش، الشعب والمقاومة".
وكانت هذه الصيغة قد أدرجت على مدى سنوات في البيانات الوزارية للحكومات كحل وسط بين من يدعمون الفكرة القائلة بأن احتكار استخدام القوة يجب أن يعود إلى الدولة اللبنانية وحدها، وبين إصرار "حزب الله" على أن سلاحه؛ أي سلاح المقاومة، يجب أن يحظى بالشرعية من الدولة. في ضوء ذلك، تجاهل الحزب، على مر السنين مطالب خصومه بضرورة توصل اللبنانيين إلى نوعٍ من التوافق حول استراتيجية دفاعية وطنية، وهو مصطلح اختزل فعليا دمج سلاح "حزب الله" في الدولة.
بعد أن مني الحزب بهزيمة قاسية في صراعه مع إسرائيل، وخسر الآن قاعدته الاستراتيجية في سورية إثر سقوط نظام الأسد، أعيقت إمكانيته لفرض إرادته على سائر شرائح المجتمع اللبناني. صحيح أنه ما يزال يحتفظ بسلاحه، ولكنه لم يعد يتمتع بقدرة كبيرة على تهديد محيطه كما فعل في ما مضى. يضاف إلى ذلك أن أيا من الطوائف اللبنانية، في غالبيتها، لم يعد مستعدا للرضوخ لحزب ينظر إليه على نطاق واسع بأنه أصبح في موقع دفاعي.
شكل المسعى الرامي إلى تبديد جميع مؤشرات الضعف ركيزة الخطابات الأخيرة التي ألقاها أمين عام "حزب الله" الجديد نعيم قاسم. فقد أكد أن الحزب يتعافى من "جراحاته" التي تكبدها نتيجة العدوان الإسرائيلي، وأن "المقاومة مستمرة"، وأن "هذا العدو لا يكبحه إلا المقاومة". ويبدو الأمين العام الجديد غافلا عن حقيقة أن الحزب فشل في ردع إسرائيل، التي ما تزال قواتها منتشرة في مناطق من جنوب لبنان، ناهيك عن منعها من تدمير مساحات شاسعة من البلدات والقرى والأحياء ذات الغالبية الشيعية. مع ذلك، يدرك قاسم ما هو على المحك. وما لم يتمكن الحزب من نسج وهم الانتصار، سوف تتداعى مبررات احتفاظه بسلاحه في إطار علاقته بالدولة اللبنانية، مثلما انهارت منذ فترة طويلة في أوساط فئات واسعة من المجتمع اللبناني.
حالما يُنتخب رئيس للجمهورية، سيحتاج لبنان إلى حكومة جديدة. وأثناء عمل القوى السياسية المختلفة على صياغة البيان الوزاري للحكومة، ستكمن إحدى العقبات الأولى التي ستعترضها في مسألة إعادة إنتاج ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". ويبدو من شبه المؤكد أن عددا من المشاركين في الحكومة سيرفضون المصادقة مجددا على هكذا صيغة. هذا ما ستفعله "القوات اللبنانية" بالتأكيد، ومن الصعب تصديق أن أي رئيس حكومة سني سيوافق على هذه الثلاثية، خصوصا في ظل مناخ طائفي يبدو متجددا عقب سقوط بشار الأسد. لمَ قد يكون لدى السنة، الذين يشعرون بحيوية متجددة بعد عقود من هيمنة نظام قاده العلويون في دمشق بدعم من القوى الشيعية في المنطقة، أي دافع لتفويت فرصة تقليص هامش المناورة الذي يتمتع به "حزب الله"؟
إذا ما حصل ذلك، فما الذي يستطيع "حزب الله" فعله؟ تبدو فكرة نشر عناصره في الشوارع لترهيب خصومه غير واردة، إذ لم يعد أحد ممن يعادون الحزب في لبنان على استعداد لقبول مثل هذا التصرف. وقد اتضح ذلك في عدد من الاشتباكات التي وقعت في السنوات الأخيرة، بدءا من خلدة وشويّا، ووصولا إلى الطيونة والكحّالة، حيث بدا السكان المحليون مستعدين لمهاجمة عناصر الحزب بدلا من الرضوخ لمحاولات الضغط عليهم.
عوضا عن ذلك، قد يقرر "حزب الله" مقاطعة أي حكومة لا تتبنى صيغة "الجي