عمان- قبيل الساعة الثامنة صباحا، تزدحم محطات انتظار حافلات النقل العام بالطلبة والموظفين والعمال الذاهبين الى جامعاتهم وأعمالهم، ولدى وصول أول حافلة (كوستر)، يتدافعون ويتنافسون فيما بينهم للوصول الى بطون الحافلات، للحصول على مقاعد فيها، إذ اعتاد ركاب الحافلات من المواطنين ذوي الدخول المحدودة، على هذا النمط من العلاقة بينهم وبين تلك الحافلات، التي لا يأبه سائقوها بحشرهم في جوفها، دون أي اعتبار للأضرار التي قد تلحق بالركاب، أو بهم حين يخالفون تعليمات وقوانين السير، بحمولاتهم الزائدة من الركاب. يتكرر هذا المشهد في مختلف أوقات اليوم، ومن نتائجه مثلا، أن تجلس ثلاث فتيات على مقعد حافلة يتسع لراكبين، أو حشر الأعداد الزائدة للركاب في وسط ممر الحافلة، كل ذلك من دون أي وسيلة تنظيمية للركوب، أو حماية للركاب. فالسائق لا يأبه إذا ما جعل جوف حافلته "علبة سردين" كما يعلق الركاب عادة. لا يتوقف الأمر عند هذا المشهد المؤذي الذي تتخله أفعال تحرش بالنساء من ذوي نفوس مريضة، أو التسبب بإيذاء بعض الركاب من كبار السن، ناهيك عما قد يسببه هذا النوع من التدافع للحصول على مقعد، من مشاكل أخرى. كما تعرّض الحافلات ذات الحمولات الزائدة، الركاب لحوادث ينجم عنها إصابات متنوعة، قد تصل إلى حد الوفاة، ناجمة عن أعطال مسكوت عنها في الحافلة، أو أن صلاحية الحافلة غير مناسبة لمثل هذه الأعداد الزائدة، وعادة ما تكون صلاحية هذه الحافلات وغالبيتها لا تتبع برامج الصيانة الدورية، أدنى من المواصفات المطلوبة، فبمجرد دعسة "بريك" مفاجئة يقدم عليها سائق الحافلة، وغالبا يتوقف السائقون لحمل ركاب إضافيين من الطرق، أو عند التفاف السائق بالحافلة على نحو مباغت وبسرعة زائدة، تصبح حياة الركاب تحت رحمة السائق والحوادث الخطرة. وحسب أحدث احصائية للأمن العام لسنة 2023، تعمل في المملكة 23522 حافلة ركوب متوسط (أي الحافلة المصممة لنقل عدد محدد من الأشخاص، يزيد على 9 ولا يزيد على 30 شخصاً، بمن فيهم السائق)، موزعة على المحافظات كافة، وقد بلغ عدد التي تسببت منها بحوادث نجم عنها إصابات بشرية 428 حافلة. كما أن ازدحام الركاب في هذه الحافلات على نحو مبالغ فيه، وفرض إغلاق الستائر عليهم في محاولة من السائقين للتهرب من دوريات السير، الى جانب وضع إضاءة خافتة أحيانا في الحافلة، كلها عوامل تسهم بزيادة نسب حالات التحرش من كلمات وعبارات وحركات غير لائقة، كوضع اليد على الكتف، أو الالتصاق أو الاحتكاك بأجساد النساء والفتيات من أشخاص لا وازع أخلاقيا عندهم، أو ممن يغلقون غالبا ممر هذه الحافلات الأوسط جراء الازدحام، ما يسبب للإناث اللواتي يستخدمنها، شعورا بعدم الراحة والأمان. الأجرة أولا.. وحياة مرتهنة للحظ "بريك مفاجئ تسبب لي بقطع في الأربطة وكسر في عظمة صابونة الركبة، وقرار حرمان من إحدى المساقات الدراسية". يروي محمد (اسم مستعار) قصة حادثة تعرض لها العام الماضي أثناء عودته لمنزله، حين سقط أرضاً في إحدى الحافلات (نوع كوستر) تعمل على خط عمان - عجلون، إذ كان سائقها قد ضاعف حمولتها بزيادة عدد الركاب الذي تجاوز المسموح به. "الباص محمل ركاب زيادة، لما الشوفير يضرب بريك مفاجئ، ما بتعرف شو مصيرك"، يصف الطالب محمد ظاهرة الحمولة الزائدة التي يعاني منها مستخدمو حافلات النقل العام في الأردن، وعلى إثر احداها، تعرض لإصابة في قدمه، وبقي لثلاث أشهر تحت العلاج، ما تسبب بقرار من الجامعة حرمه من مساق دراسي، لغياباته المتكررة طوال فترة العلاج. وحسب إحصائية الأمن العام، سجل كانون الأول (ديسمبر) أعلى عدد من الإصابات بين ركاب حافلات "الكوستر"، بـ15 إصابة