الهجوم الأخير في نيو أورلينز قد يكون مؤشراً إلى عودة الإرهاب إلى أميركا، لكنه في الوقت نفسه يشكل انعكاساً لإخفاقات السياسة الخارجية التي اعتمدها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن. وهذا التطور يمثل بلا شك تحدياً مفاجئاً مثيراً للقلق بالنسبة إلى الإدارة الأميركية المقبلة. وهو يعد بمثابة انتقاد قاس للسياسة الفاشلة التي انتهجها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن إلى حد كبير في الشرق الأوسط، ويسلط الضوء على تأثير الصراعات في تلك المنطقة على الأمن الداخلي الأميركي، ويطرح التساؤلات حول كيفية تعامل ترامب مع هذه التحديات في ظل تزايد الإرهاب والاضطرابات الإقليمية. *** مهما كانت تفاصيل الحادثة المأساوية التي شهدتها مدينة نيو أورلينز الأميركية مع بداية العام الجديد، فإنها تبرز مدى تأثير الصراعات الخارجية، ولا سيما تلك منها التي تدور داخل منطقة الشرق الأوسط، في الداخل الأميركي بطرق قد تكون مدمرة. وعلى الرغم من احتمال أن يكون سائق الشاحنة الصغيرة، الذي لقي مصرعه خلال تبادل لإطلاق النار مع قوى الشرطة، شخصاً يعاني اضطراباً نفسياً، استغل شعار "داعش" كغطاء لدوافعه الحقيقية، فإن خلفيته وماضيه العسكري وارتباطاته وقدرته على الوصول إلى الأسلحة التي كانت في حوزته، كلها عوامل تشير إلى وجود سردية مختلفة. لكن أوجه التشابه بين هذه الحادثة وسوابق أخرى تم تحديدها بوضوح. إنها لا تستحضر في الأذهان تفجير مدينة أوكلاهوما الذي حدث خلال العام 1995، وإنما تستدعي هجوماً مشابهاً بشاحنة صغيرة وقع في مدينة نيويورك في العام 2017، ونُفذ باسم تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى الذاكرة الحية لأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. سيكون التأثير، سواء كان ذلك مقصوداً أم لا، بمثابة انتقاد قاس للسياسة الفاشلة إلى حد كبير التي انتهجها في الشرق الأوسط الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، وتحذيراً للإدارة القادمة بقيادة دونالد ترامب. التساؤلات المطروحة الآن هي، كيف سيتعامل ترامب مع سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذا ما تم اعتبار ما جرى في نيو أورلينز نذيراً بتجدد الإرهاب المرتبط بالمنطقة؟ كيف سيكون رده؟ وما الخطط التي سيطرحها في ظل وضع إقليمي أصبح أكثر تقلباً ويعيش في حالة من عدم اليقين هي الأشد منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979؟ أدى سقوط بشار الأسد في سورية إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من الغموض وعدم الاستقرار، وباتت أمام فرصة نادرة إما لتحقيق الاستقرار، أو على الأرجح للتوجه نحو مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار. وتشمل الديناميكيات المتغيرة في الوقت نفسه كلاً من تركيا التي تتصاعد قوتها في الشمال، وإيران التي يتراجع نفوذها في الشرق، والأكراد الذين يحتجزون الآلاف من المقاتلين السابقين في تنظيم "داعش"، والذين يقفون في الوسط بينهما. كذلك في شرق المنطقة، ما تزال أفغانستان تقبع تحت سيطرة حركة "طالبان"، بينما في غربها تواجه فلسطين صراعاً من دون زعامة بعد أن تحول قطاع غزة إلى حطام. وتواجه إسرائيل صعوبات كبيرة في جهودها الرامية إلى إلحاق الهزيمة بـ"حزب الله" وحركة "حماس". وتتفاقم حالة عدم اليقين هذه في الشرق الأوسط إما بسبب شيخوخة قادة دوله؛ أو نتيجة لانعدام الأمن في مختلف أرجائه. لن يكون هذا الواقع تحديًا سهلًا أو مباشرًا لأي إدارة أميركية. غير أنه من المحتمل ألا يكون هذا هو الوضع الذي توقعه دونالد ترامب كأولوية رئيسية على قائمة القضايا المحورية التي تهمه -حتى الآن على الأقل. تجدر الإشارة إلى أنه عندما غادر دونالد ترامب منصبه في العام 2021، رأى وزير خارجية خليفته أن الشرق الأوسط كان قد أصبح أكثر استقراراً