مثلما نسلط الضوء على مواطن الترهل والجمود في بعض الوزارات والمؤسسات، فإن من الواجب أن نشيد بالدوائر والمؤسسات الناجحة التي تحقق فتحاً جديد في الأداء وإتباع أفضل الممارسات، ولا شك في أن من يقودون هذا المؤسسات قد ترجموا رؤية جلالة الملك بضرورة تجسيد معايير ثابتة ومتينة لمحاربة الفساد وحماية المال العام. في أواخر العام الماضي شهدت الساحة المحلية صدور تقريرين: الأول عن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والثاني عن ديوان المحاسبة، بالإطلاع على كلا التقررين وما تم تداوله بالإعلام وبعد الاستماع لاستعراض التقريرين من رئيس هيئة النزاهة ورئيس ديوان المحاسبة يمكن أن تستخلص مايلي:- تبين أن هيئة النزاهة قد منعت هدر واستعادت ما مجموعه 141 مليون دينار، وهذا رقم يعكس مؤشراً يفضي إلى مسألتين مهمتين: المسألة الأولى سلبية تتمثل بحجم الهدر والفاقد المالي الذي يحدث في بلدنا بالرغم من وجود أجهزة الرقابة والملاحقة، فعندما نتحدث عن فساد وهدر بمئات الملايين فإن ذلك مخيب للآمال، أما المسألة الثانية فهي إيجايبة بامتياز وتبعث على الطمأنينة بأن لدينا هيئة على درجة عالية من الكفاءة والمسؤولية وانها تعمل ليل نهار بكادرها الوظيفي بالإضافة الى فرسان النيابة العامة المنتدبة لديها، وبقيادة رئيسها الذي استفاد من خبرته القضائية لتنفيذ استراتيجية عامة لمكافحة الفساد، وبدأ ذلك برسم خطته الوقائية لمنع وقوع الجرائم من خلال الدور التوعوي والتثقيفي بمعايير النزاهة الوطنية حتى الوصول الى مؤشر النزاهة الوطني، وذلك لقياس مدى امتثال مؤسسات الادارة العامة الأردنية بمعايير النزاهة الوطنية وأولها سيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص على قاعدة من الشفافية والافصاح الامين، لتأتي مرحلة المساءلة والمحاسبة. ان الاحاطة بكل هذه المعايير هي احاطة بالحوكمة المؤسسية التي اصبحت الطريق المثلى للاصلاح، لقد كان نتيجة تبني هذه المعايير والاستراتيجية الناضجة هو انخفاض عدد الملفات التحقيقية بنسبة 41 % عن العام الماضي. تصنيف الأردن من الربع الأول الاقل فساداً بين 180 دولة ومنطقة لم يأتِ من فراغ، بل هو جهد مثمن لهيئة عملت وتعمل بكفاءة وتحقق غاياتها وتترجم نهج الارادة السياسية في تعزيز دولة القانون والمؤسسات وكبح جماح الهدر والتعدي على المال العام، والارقام والمؤشرات تشهد على ذلك.   أما التقرير الثاني الذي صدر عن ديوان المحاسبة فربما يحتاج الى متخصص لتحليله ولكن المؤشرات التي تضمنها لا تخفى على المراقبين لاداء مؤسسات القطاع العام، ولاول مرة نرى تقريرا مختلفا بشكله ومضمونه فقد كان رشيقا ومعبرا ويشير الى زيادة وتيرة اتباع نهج الحوكمة، فعندما يرصد الديوان ويتعامل مع 4883 مخالفة لكافة الجهات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة، وجاءت من خلال 417 كتابا رقابيا او استيضاح تتعلق بمستحقات ضريبية ومخالفات في أمانة عمان ودائرة الجمارك اثمرت عن استعادة ومنع هدر مال بقيمة 29.3 مليون دينار، فإن ذلك لعمري انجاز كبير ومتميز وعندما يفرد التقرير بابا خاصا بتجويد الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، فهو بذلك يسعى الى خلق رقابة وقائية مسبقة تسهم في ترشيد اتخاذ القرارات في الداوئر والمؤسسات الحكومية وكذلك جهود الديوان في تعزيز استقلالية الرقابة الداخلية وحصر ارتباطها بالوزير او المدير. مع كل هذه الانجازات اللافتة للانتباه مقارنة بعدد المخرجات الرقابية في العام الماضي التي كانت اقل وبعدد المخالفات التي كانت اكثر، نستطيع القول إن الديوان يتقدم بخطى ثابتة نحو تجويد عمله وتعظيم انجازاته، ولا سيما ان نسبة تصويب المؤسسات المخا