في لقائه مع مجلس الوزراء، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني على مسائل عديدة لعل في مقدمتها مسألتين رئيسيتين: الأولى خدمة المواطن من قبل المسؤول، والثانية الاستثمار وجذب المستثمرين لتوفير فرص العمل. ومن جانبه أكد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان على ان برنامج الحكومة لهذا العام يتضمن أتمتة 80 % من الخدمات الحكومية. ولا شك بأن نتائج أتمتة الخدمات سيفيد منها المواطن مباشرة، كما ستفيد منها إدارة الدولة والاقتصاد الوطني. فمن شأن الأتمتة أن تسرع من الإنجاز وبالتالي تخفض التكاليف على المواطن وتوفر الوقت والجهد، وعلى خزينة الدولة والمؤسسة فتخفض كلفة التشغيل وأعداد الموظفين اللازمين للعمل.
ومع هذا فالأتمتة الواسعة تحمل معها بعض الإشكاليات الواجب الاستعداد لمعالجتها كفصل مكمل للعملية بمجملها. وتأتي في مقدمة هذه الإشكاليات فقدان العديد من الوظائف الأمر الذي يستدعي تنفيذ برامج قوية لإعادة التدريب، وإعادة توزيع القوى العاملة المعاد تدريبها، ثم يأتي الجانب الأخلاقي المتعلق بالتعامل مع بيانات المواطنين والتي ستكون مفتوحة للجهاز الإداري، وأيضا تحقيق العدالة والإنصاف أفقيا وعموديا لجميع المواطنين للإفادة من الأتمتة.
وسوف تتيح الأتمتة الفرصة لصانع القرار وراسم السياسة أن تكون السياسات والقرارات مبنية على تحليل بيانات فعلية وليس على افتراضات، الأمر الذي يتوقع معه أن تتجذر لدى الإدارة والمسؤول ثقافة التحسين والتطوير المستمر.
ولا بد من الإشارة هنا بأن عدداً من الدول العربية وخاصة دول الخليج حققت إنجازات متميّزة في اتمتة الخدمات، بحيث أصبح المواطن أوالمقيم هناك، وفي معظم الخدمات الرسمية غير مطالب بالذهاب إلى الدائرة الحكومية، فكل ما يريده من خدمات يجري تنفيذها من خلال التطبيقات المتاحة على الهاتف الجوال لطالب الخدمة. هذا في حين ان التحّول في بلدنا ما يزال بطيئاً رغم أننا بدأنا الحديث عن الحكومة الإلكترونية منذ عام 2012. وما يزال المواطن لدينا بحاجة الى المراجعة في الدوائر الحكومية، وتقديم الوثائق الورقية، سواء كان الأمر يتعلق بالخدمات البلدية او الصناعة والتجارة او الطاقة اوغيرها. وهنا يبرز التساؤل عن كيفية تحقيق ما أكده الملك من حيث واجب المسؤول خدمة المواطن من جانب، والأتمتة الفعالة من جانب آخر.
ومن الواضح أن الموظف لدينا ما يزال غير مطمئن للأتمتة لاعتبارين رئيسيين، الأول الجانب النفسي إذ ستؤدي الأتمتة في نظره الى تهميش دوره وتخرجه من فضاء السلطة والتحكم الذي اعتاد عليه منذ سنوات، وتضعه في موضع المراقب والمتابع، وذلك غير مرحب به في نظره.
أما الاعتبار الثاني أن الأتمتة لا تعفيه من المسؤولية اذا وقعت اخطاء في المعلومات او إساءة ممارسة من طالب الخدمة. وبالتالي فإن الخوف من تحمل تبعات هذا الأمر تدفع الموظف الى الاستمرار بممارسة دوره التقليدي في طلب الوثائق والموافقات التقليدية، وهذا يقود الى مسألة مهمة وهي ان اتمتة الخدمات لا تنجح فعلياً ولا تتحقق على ارض الواقع إلا إذا تحققت بعض الشروط الادارية والبنيوية وعلى النحو التالي:
اولاً: تطوير ثقافة الموظف باتجاه الانتقال من كرسي التحكم والسلطة بحكم الموقع الى فضاء الرغبة في تقديم الخدمة وتسهيل العقبات امام المواطن حتى يصل الى ما يريد ضمن القانون في أقصر مدة ممكنة، واقل كلفة من حيث الجهد والمال والوقت. إن عبارة «المسؤول» التي استعملها الملك لا تقتصر على كبار الموظفين وإنما تشمل كل موظف وفي جميع مستويات الخدمة العامة.
ثانياً: ان الثقافة الجديدة وهي «ثقافة الخدمة وليس التحكم» تتطلب البرامج والدورات التأهيلية والإثرائية للموظ