وأخيرا؛ جرى توقيع وقف لإطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وبين دولة الاحتلال، يوقف 15 شهرا من الإبادة الجماعية المستمرة، والتطهير العرقي الذي انتهجه الكيان الصهيوني لتحقيق نبوءات تلمودية مشوبة بالخرافات الكثيرة.
منذ اللحظة الأولى التي نشبت فيها هذه الحرب الوحشية، ومنذ أن بدأت وفود العالم "تحج" إلى تل أبيب من أجل إدانة الضحايا والتحريض عليهم، ومؤازرة القتلة ودعمهم بكل أشكال الدعم، اختار الأردن خطا مغايرا لكل هذا الصخب الإعلامي، والذي لم يكن ليفعل شيئا سوى صب المزيد من الوقود على النار المشتعلة في الأصل.
لقد اختار الأردن أن يمثل صوت العقل والحكمة، وأن يتشبث بالدعوة إلى ضرورة الوقف العاجل للعدوان على الشعب الفلسطيني، وأن يتوقف شلال الدم الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا.
وفي سعيه لتكوين جبهة ضغط لتحقيق هذا الهدف، طاف جلالة الملك عبد الله الثاني المنابر العالمية صادحا بصوت الحقيقة، ومسميا الأشياء بأسمائها الحقيقية، من دون رتوش أو تزييف، ومؤكدا أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب واضحة في قطاع غزة، وأن على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية، وأن يتكاتف لوضع حد للجرائم بحق الفلسطينيين.
لكن الأردن لم يقف عند حدود الدعوات والإدانات، فحين اشتدت الجرائم الإسرائيلية، وبات سكان القطاع محرومين من الغذاء والدواء والمواد الأساسية الأخرى، أخذ على عاتقه أن يقوم بإيصال هذه المواد إلى داخل القطاع المنكوب، فبدأت طائرات سلاح الجو الملكي الأردني جولات مكوكية، وأسقطت آلاف الأطنان من المواد الإغاثية التي ألهجت ألسن الغزيين بالشكر والثناء للأردن ولجلالة الملك على لفتاته الإنسانية تجاههم.
إيصال المساعدات إلى غزة عن طريق إسقاطها من الجو، باتت طريقا سلكتها دول عديدة للإسهام في جهود الإغاثة، وقد كان الأردن هو المحور الرئيس في جميع تلك الجهود، مشكلا جسرا جويا لم ينقطع، بل رفده بجسر بري من عشرات الشاحنات التي تصدت للمهمة ذاتها.
وخلال ذلك، لم تتوقف الدبلوماسية الأردنية عن نشاطها، فبتكليف من الملك، كان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي يقوم بجولات مكوكية شملت قارات العالم، لكي يبين وجهة النظر الأردنية في كيفية نزع فتيل الأزمة، ومنع تمدد النزاع ليشمل الإقليم كله.
لكن الأمر الأهم الذي ثبته الأردن في أذهان ساسة العالم، هو أن هذه الحرب لم تبدأ في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بل أوصولها تمتد على مدى عقود، حين تنكر العالم لحقوق الشعب الفلسطيني، ولم يكترث بفرض حل عادل يمنح الفلسطينيين الحق بإعلان دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس المحتلة.
لقد أكد جلالة الملك مرارا وتكرارا، أنه إذا لم يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن منطقتنا سوف تبقى عرضة للنزاعات، والتي لن تؤثر على استقرار المنطقة فحسب، بل على استقرار العالم كله.