ريتشارد هاس* – (إندبندت عربية) 9/1/2025
في ظل التوترات المستمرة في الشرق الأوسط، تبرز إيران كلاعب رئيس يسعى إلى الهيمنة على المنطقة، معتمدةً على برنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة. هذا الوضع يثير تحديات كبيرة للأمن الإقليمي والدولي يستدعي تحركات دبلوماسية وسياسية حازمة للتعامل مع تهديداتها واستغلال فرصة حاسمة تلي تراجع قوة "حزب الله" و"حماس" وسقوط نظام بشار الأسد.
***
من الصعب التفكير في دولة فقدت نفوذها بالسرعة التي فقدته بها إيران. كانت حتى وقت قريب تعتبر ربما أهم لاعب إقليمي في الشرق الأوسط، وأكثر تأثيراً من مصر أو إسرائيل أو السعودية أو تركيا. ولكن خلال بضعة أشهر فقط، انهار بنيان النفوذ الإيراني. وأصبحت إيران اليوم أوهن مما كانت عليه منذ عشرات السنين، وربما منذ حربها مع العراق التي امتدت عقداً من الزمن أو حتى منذ الثورة في العام 1979.
أعاد هذ الضعف فتح الجدال حول المقاربة المثلى التي ينبغي على الولايات المتحدة وشركاؤها تبنيها إزاء التحديات التي تمثلها إيران. ويجد بعض هؤلاء في هذه اللحظة فرصة سانحة لحل جوانب هذا التهديد كافة -سواء قدرات طهران النووية أو نشاطاتها الإقليمية الخبيثة- بضربة واحدة، بينما يضيف آخرون إلى ما سبق تسريع إنهاء الجمهورية الإسلامية تماماً. لكن المستشارين المخضرمين يحذرون من مغبة استخدام القوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية، وكذلك من المحاولات الرامية إلى القضاء على النظام السياسي القائم واستبداله بشيء أفضل.
لا يقتصر النقاش على تحديد الأهداف فحسب، بل يشمل ترتيب الأولويات، حيث المفاضلات لا مفر منها: ما الذي يجب أن يأتي أولاً؟ أما في ما يتعلق بوسائل العمل، فالمطروح ليس الاختيار بين الدبلوماسية أو القوة بقدر ما هو طريقة جمع وترتيب استخدام هاتين المقاربتين معاً. وأفضل المقاربات هي تلك التي تميل نحو تحقيق الهدف الطموح المتمثل في إعادة تشكيل سياسة الأمن القومي الإيراني عن طريق الدبلوماسية، وإنما دبلوماسية تسير على خلفية القدرة والاستعداد لاستخدام القوة العسكرية في حال رفضت طهران معالجة هواجس الولايات المتحدة والغرب بصورة كافية.
الأخطار كبيرة. والقرارات المتخذة ستكون لها تداعيات كبيرة -ليس على الشرق الأوسط فقط، بل أيضاً على العالم بأسره، بما في ذلك أسواق الطاقة. وبالنسبة للولايات المتحدة، ستحدد هذه القرارات مدى قدرتها على تحقيق التحول الذي كثيراً ما نوقش، والمتمثل في إعادة تخصيص الموارد العسكرية بعيداً عن الشرق الأوسط ونحو أولويات أخرى على رأسها ردع العدوان الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
صعود وسقوط
استمدت طهران نفوذها في المنطقة بصورة عامة من تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية والمليشيات في غزة والعراق ولبنان وسورية واليمن، وغيرها. وقف هؤلاء الوكلاء ضد إسرائيل (وضد أي تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين)، وهددوا المصالح الأميركية والغربية. وكانوا إجمالاً الوسيلة التي حاولت إيران من خلالها إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً لتصورها. وضاعفت هذه الإستراتيجية غير المباشرة النفوذ والتأثير الإيراني عبر المنطقة، فيما أتاحت لطهران أن تتجنب الانتقام المباشر أو تخفيفه في أقل تقدير.
كانت إيران من أكبر المستفيدين من حرب الولايات المتحدة على العراق في العام 2003، حيث أطاحت الحرب بصدام حسين، ومحت في الوقت نفسه حكماً سنياً في بغداد كان مستعداً وقادراً على موازنة طهران الشيعية. وتمكنت إيران من استخدام فوضى الاجتياح وتقاربها مع الغالبية الشيعية في العراق لتحل مكان الولايات المتحدة باعتبارها القوة الخارجية صاحبة النفوذ الأكبر داخل البلاد.