طارق نيازي - (فورين بوليسي إن فوكَس) 9/1/2025
أدى الجفاف في الفترة بين الأعوام 2006 - 2011 إلى إطلاق موجات من الهجرة الجماعية من المناطق الريفية النائية إلى المراكز الحضرية. ونزح ما يقدر بنحو 1.5 مليون من سكان الريف إلى أطراف المراكز الحضرية. وكان جميع النازحين السوريين "لاجئين مناخيين" من دون وظائف ولا دخل، وقبل كل شيء، من دون أي أمل في بدء حياة جديدة. وبينما كانت سورية تجف، كذلك فعل أيضًا أي دعم متبق من الحكومة للمزارعين. وكان تركيز اليأس شديد القابلية للاشتعال بحيث يمكن أن يتحول بسهولة إلى حريق.
* * *
انتهى الجفاف الذي جلبته الأحوال الجوية، والذي اجتاح منطقة الهلال الخصيب (الممتدة من دجلة والفرات إلى وادي النيل) في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أخيرًا إلى تقويض نظام الأسد في سورية، وإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على الفرار إلى موسكو تحت جنح الليل الشهر الماضي. وللوهلة الأولى، يبدو الجفاف أو ما يحركه من تغيّر المناخ لا علاقة له تقريبًا بحدث جيوسياسي مثل سقوط نظام الأسد. ومع ذلك، كان سقوط النظام عملية طويلة استغرقت العديد من السنوات، ولعبت القضايا المتعلقة بالمناخ دورًا كبيرًا فيه.
بدأ تراجع نظام الأسد بحلول موجة جفاف طويلة الأمد في العام 1998، لم يشهد الشرق الأوسط لها مثيلًا في القرون التسعة الماضية. ووصلت شدة الجفاف ذروتها في الأعوام ما بين 2006 - 2011 في شمال شرق سورية، الذي يشكل سلة الخبز في البلاد، ويضم منطقتي الفرات والجزيرة. وتنتج هذه المناطق ثلثي محصول البلاد، وخاصة محصول القمح الأساسي في سورية.
في ذروته، تسبب الجفاف في انهيار الزراعة، التي تشكل المرساة الخضراء للاقتصاد السوري. وانخفض الإنتاج الزراعي، الذي يولّد ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلى 17 في المائة. لكن هذا التأثير الكلي لا يعكس الدمار الذي ألحقه مباشرة بالملايين من سكان الريف والمزارعين والرعاة الذين انخفض إنتاجهم الزراعي الفردي إلى الصفر أو قريبًا من الصفر. وأصبحت سورية، التي كانت الدولة الوحيدة في منطقة الهلال الخصيب (مصر والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان وفلسطين) المكتفية ذاتيًا في إنتاج الحبوب الغذائية، مستوردًا للقمح في العام 2008.
كان حافظ الأسد، والد بشار، الذي حكم البلاد من العام 1971 إلى العام 2000، قد أسس عهده على الأيديولوجية الاشتراكية البعثية. وساعد ذلك النهج في توسيع الزراعة من خلال دعم التكلفة دائمة التزايد للمدخلات الزراعية -وحتى التأمين ضد فشل المحاصيل الذي كان متكررًا في النظام الزراعي للأراضي الجافة. ودعمت الدولة السورية الملايين من سكان الريف والمزارعين ومربي الماشية من الصدمات غير المتوقعة الناجمة عن الأحوال الجوية والسوق. ولكن، قام ابنه من ناحية أخرى بنقض كل ذلك. بتقديم السياسات النيوليبرالية، ترك بشار الأسد الجميع ليواجهوا مشاكلهم وحدهم. وفي عهده، ازدهر المزارعون الأغنياء برأس المال بينما استمر الباقون في السقوط من خلال الشقوق.
على الرغم من أن زراعة الأراضي الجافة هي الدعامة الأساسية للاقتصاد السوري، فإن في البلاد جزء كبير من الزراعة المروية التي تُروى من نهر الفرات في الغالب، وبدرجة أقل بكثير من نهر دجلة. ولكن مع تغير المناخ، كان كلا المجريين المائيين يجفان، وخاصة نهر الخابور، الرافد الرئيسي لنهر الفرات في سورية، الذي يزود بالمياه منطقة الحسكة الشمالية الشرقية. وكان نهر الخابور هو المصدر الأيقوني للزراعة السورية لآلاف السنين، حيث أكسبته أهميته للزراع