عمان- أهازيج وأغان وتكبيرات تملأ شوارع غزة، حيث عادت الحياة تدب بعد أن خنقتها أصوات الدمار والقصف والطائرات المسيّرة على مدار 15 شهرا.
شهور مريرة خلفت وراءها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسر الثكلى، وها هم اليوم يتنفسون فرحة مشروعة، بعد أن ذاقوا ويلات حرب الإبادة. الليلة، يستعد أهل غزة للنوم من دون الخوف من سقوط القذائف فوق رؤوسهم أو على أبنائهم.
منذ اللحظات الأولى لإعلان وقف إطلاق النار، عاش الملايين حول العالم لحظات ترقب مشحونة بالأمل. مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع فيديو من سكان القطاع، تنقل مشاهد نابضة بالحياة لمحاولة لملمة الجراح، ووقف النزيف، والوقوف على الركام، في محاولة لإحياء الروح واستعادة نبض الحياة. إنها بداية جديدة، وفصل آخر من الصمود في غزة.
تحولت حسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في غزة، إلى جانب حسابات الصحفيين في القطاع، يوم أمس إلى نقاط جذب عالمية. الجميع كان يبحث عن تلك اللحظة الأولى التي توثق فرحة وقف إطلاق النار، الممزوجة بدموع مختلطة بين الفرح والحزن والخوف. دموع لهفة على أرواح اشتاقت إلى من فرقهم الحصار بين شمال وجنوب غزة، أو أولئك الذين باتوا شهداء تحت الركام، تنتظر جثامينهم وداع الأحبة وتكريمهم كما يستحقون.
في الدقائق الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار، عاش الغزيون لحظات من الترقب والامتنان لأنهم ما زالوا أحياء ليشهدوا هذه اللحظة. ومع انتهاء الثواني الأخيرة، انطلقت التكبيرات والتهليلات، وغمرت شوارع غزة أدعية الحمد والشكر لله. وغنّى أهل غزة لوطنهم المكلوم، مؤكدين أنه "جنة على أرضهم المروية بدماء الشهداء"، ومتعهدين بإعادة إعمارها لتعود أجمل مما كانت. إنها الأرض التي دفعت ثمنا غاليا للصمود، وبقيت شاهدا على قوة شعبها الذي لا يساوم.
"كم يليق بك الفرح بعينيك يا غزة، آن للقلب المتعب أن يستريح"، "سلام لغزة لشعب عظيم، ونحن الشهود". عبارات شاركها الغزيون وآلاف المتضامنين حول العالم، تحية لصمود الشعب وإصراره على التمسك بوطنه، ضاربين عرض الحائط كل نظريات التهجير. واليوم، يستعد أهل غزة للنهوض من بين الركام، من شوارع مدمرة ومساحات باتت تعج بالخيام.
وائل الدحدوح، الصحفي الذي عايش ونقل أهوال الحرب طيلة أشهرها، عبر عن أمله في مستقبل أفضل عبر حسابه الشخصي، قائلا: "أملنا أن تنتصر إرادة الحياة في غزة على إرادة الموت التي استمرت 15 شهرا".
وفي زحمة هذه المشاعر، تواصلت مئات الحسابات الغزية بنشر صور ومقاطع فيديو تجسد فرحة لا تخلو من الوجع. سيدات أطلقن الزغاريد تهليلا بوقف الخوف على أبنائهن، بعد كوابيس القصف المستمرة، بينما سجد الرجال شكرا لله على وقف النزيف والمعاناة التي خلفتها أهوال الحرب. هي لحظات مختلطة بين فرحة البقاء وحزن الفقد، لكنها تحمل أملا جديدا بالنهوض من بين الركام.
الصحفيون الذين كانوا شهودا على الحرب بكل تفاصيلها نقلوا قصصا وآلاما وحقائق حاول الاحتلال طمسها وتشويهها في كل حين. هؤلاء الصحفيون، الذين ارتدوا خوذهم وستراتهم الممهورة بكلمة "PRESS" كدرع يحميهم من نيران الحرب، عاشوا تحت وطأة الخطر اليومي. ورغم ذلك، سقط مئات من زملائهم شهداء للحقيقة، تاركين وراءهم إرثا من الشجاعة.
مع إعلان وقف إطلاق النار، خلع الصحفيون خوذهم للحظات، ليستريحوا من أعباء الأشهر الثقيلة. وفي شوارع غزة، تبادل السكان الأحضان والقبلات، فرحين بما أتاهم الله من فرج. بالنسبة للناشط والطبيب عز الدين لولو، كان هذا اليوم بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس بعد العذاب الطويل. قال: "اليوم، وبعد انقضاء هذا الكابوس، أجد لنفسي فرصة لأخذ نفس عميق، أستوعب فيه أهوال ما