عمان- تستيقظ منال عبدالرحمن كل صباح على صوت منبه هاتفها، فتتجه مباشرة إلى المطبخ لتحضير الفطور لأطفالها قبل أن تبدأ في تجهيز نفسها للعمل. تقضي يومها بين المكتب والمنزل، وتدريس الأبناء وواجبات عائلية لا تنتهي وعندما يحين المساء، تشعر بإرهاق شديد وكأنها تعيش اليوم نفسه مرارا بلا توقف. هذه الحالة ترافق منال منذ سنوات طويلة، وكلما فكرت في تخصيص وقت لنفسها، كان ضميرها يؤنبها، فتعتبر ذلك تقصيرا قد يضعف دورها كأم وزوجة. لكن في يوم من الأيام، وبعد نصيحة من صديقة مقربة، قررت أن تخصص وقتا أسبوعيا لنفسها فقط. بدأت تذهب إلى مقهى قرب منزلها، تجلس هناك وحيدة مع كتاب أو كوب من القهوة الساخنة، تراقب المارة وتستمتع بلحظات من الهدوء ووقت مع الذات. بعد أسابيع من اتباع هذه العادة، شعرت منال بتغيير واضح في طاقتها؛ أصبحت أكثر صبرا مع أطفالها وأكثر تركيزا في عملها. تقول: "ذلك الوقت هو ما يمنحني القوة لأكمل كل شيء". ولم تكن منال الوحيدة التي شعرت بأهمية هذه اللحظات الصغيرة. العشريني يوسف عوني، الذي يعمل في مجال التسويق ويقضي ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، يشير إلى أنه دائما ما يشعر بالضغط المستمر، ويصف أيامه بأنها سلسلة متكررة من التوتر والاجتماعات المستمرة. لكن في إحدى الليالي، قرر أن يذهب إلى السينما وحده لمشاهدة فيلم كان ينتظره منذ أسابيع. في البداية، شعر يوسف بغرابة الفكرة، لكنه بعد انتهاء الفيلم، أدرك كيف يمكن لهذا النوع من الأنشطة أن يخفف من عبء الحياة اليومية. يقول: "كنت أحتاج إلى شيء يقطع روتيني الممل، ولم أدرك ذلك إلا حين سمحت لنفسي بالخروج من دائرة العمل". في حالات أخرى، تكون هذه اللحظات ليست مجرد حاجة نفسية، بل ضرورة. فسهير، وهي امرأة في الخمسين من العمر، كانت دائما تشعر أن حياتها تدور حول الآخرين، بين رعاية والدتها المسنة والاعتناء بأحفادها، مما جعلها تنسى تماما أن تهتم بنفسها. لكن عندما شجعتها ابنتها على تجربة جلسة في أحد مراكز التجميل لتجديد مظهرها، شعرت بتردد في البداية، لكنها بعد التجربة شعرت بشيء من الانتعاش والثقة، وكأنها استردت جزءا من ذاتها المفقودة. تقول: "الأمر ليس في تغيير مظهري فقط، بل في الإحساس بأنني أستحق هذه اللحظة". الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يؤكد أن تخصيص الوقت للنفس ليس أنانية، بل هو ضرورة أساسية للحفاظ على الصحة النفسية. ويقول: "عندما نأخذ وقتا خاصا بنا، نحن في الواقع نحمي أنفسنا من الاحتراق النفسي ونستعيد قدرتنا على التعامل مع الضغوط". ويضيف أن المشكلة تكمن غالبا في الشعور بالذنب الذي يرافق هذا الوقت، خاصة لدى الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات كبيرة مثل الأمهات أو أرباب الأسر. ويقول: "الشعور بالذنب أو الخوف من لوم الآخرين يمكن أن يمنع الكثيرين من الاهتمام بأنفسهم، لكن الحقيقة هي أن الاعتناء بالنفس يجعلنا أكثر قدرة على العطاء للآخرين". من جانبه، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن تخصيص الوقت للنفس لا يعزز الصحة النفسية فقط، بل يدعم العلاقات الاجتماعية أيضا. يقول: "الشخص الذي يمنح نفسه وقتا للاسترخاء والاهتمام بذاته يصبح أكثر استقرارا وسعادة، مما ينعكس إيجابيا على تعامله مع الآخرين، سواء أكانوا أفراد عائلته أو زملاءه في العمل". ويشدد خزاعي، على أهمية عدم السماح لأحد بلوم الشخص على هذا الوقت، إذ إن هناك ثقافة اجتماعية تجعل البعض يعتبرون تخصيص الوقت للنفس نوعا من التقصير، خاصة عند الأمهات أو من يتحملون مسؤوليات كبيرة. ويؤكد أنه من المهم أن يقتنع الشخص بأن اللحظات الخاصة ليست أنانية، بل هي استثمار في استقرار الشخص