منذ أن منحت منظمة التحرير الفلسطينية مظلة للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في أواخر العام 1991، والذي وافق العرب مجتمعين على المشاركة فيه في أعقاب حرب الخليج الثانية، وضع الأردن مسارا واضحا وإستراتيجية التزم بها بشكل مبدئي، ارتكزت على أن إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران وعاصمتها القدس المحتلة، هي مصلحة أردنية. ورغم أن الأردن تفاجأ بمفاوضات أوسلو التي أفضت إلى اتفاق قيام سلطة وطنية فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، عرفت بـ"غزة أريحا أولا"، إلا أن ذلك لم يجعله يفقد بوصلته، بل ظل مصرا على الأولويات التي وضعها في التعامل مع الصراع غربي النهر، ومصالحه الوطنية تجاهه. في الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين الجانبين؛ الفلسطيني والإسرائيلي خلال المفاوضات المباشرة في أوسلو، تم تأجيل بحث جملة من القضايا المهمة، دعيت باسم "قضايا الحل النهائي"، والتي شملت اللاجئين وحق العودة، والمستوطنات، والقدس، والدولة، والحدود. لقد شكل تأجيل بحث هذه القضايا معضلة كبيرة، ليس للسلطة الفلسطينية الوليدة وحدها، بل أيضا للدول ذات العلاقة بهذه الملفات، خصوصا الأردن الذي اضطر خلال العقود الماضية، مثلا، لأن يخوض صراعا كبيرا في الدفاع عن شرعية وجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهم اللاجئون الذين حاول الاحتلال وبمساهمة أميركية قوية مؤخرا "تمييع" قضيتهم، وإسقاط حقوقهم المنصوص عليها ضمن القرارات الدولية بالعودة والتعويض، خصوصا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. تعليق بحث قضايا اللاجئين، والاستهتار بمسائل التوسع الاستيطاني، وعدم تثبيت الحقوق للاجئين، هو ما يدفع اليوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "استسهال" مسائل خطيرة جدا مثل "الترانسفير"، وطرح حلول غير موضوعية لقضية عادلة. بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، فهي لا ترى أي خطأ في أن يتم "استيعاب" جزء من سكان غزة في الأردن ومصر، وأن يتم تسمين الكيان المحتل بقسم من القطاع، وأن يريح نفسه من صداع الانفجار السكاني فيه. تصريحات ترامب في هذا السياق، بدت وكأن المسألة معضلة أردنية مصرية، وأن على البلدين أن يحلاها بنفسيهما، رغم أن الأمر بخلاف ذلك تماما، فما نعيشه اليوم هو نتاج الاحتلال الدموي للأرض الفلسطينية، وتواطؤ العالم كله للالتفاف على الحق الفلسطيني في الوجود وتقرير المصير. اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة أمس، ربما يعيد بعض الأمور إلى سياقها شبه الطبيعي، خصوصا بتأكيده على ضرورة تحقيق السلام وفقاً لحل الدولتين، والرفض التام لأي محاولات لتقسيم قطاع غزة، واعتباره جزءا من الأرض الفلسطينية المحتلة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، والدعوة لمعالجة الكارثة الإنسانية التي تعرض لها القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي، والرفض القاطع لأي محاولات لتجاوز دور "الأونروا" أو تحجيم دورها. والأهم، هو الاتفاق على سرعة إعمار غزة، لضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم، ورفض الأنشطة الاستيطانية، أو الطرد وهدم المنازل، أو ضم الأرض، أو الإخلاء بالتهجير أو "تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي صورة من الصور أو تحت أي ظروف ومبررات". بيان القاهرة الصادر أمس، أعاد التذكير بجميع الثوابت الأردنية التي ظل يعلنها على مدار سنوات الصراع. فمن جديد، يحدد العرب رؤيتهم لحل الصراع في المنطقة، وهي شروط لا تخرج عن رؤية المبادرة العربية في مؤتمر بيروت 2002. ولكن هذه المرة يخسر التطرف والإرهاب الإسرائيلي كثيرا، إذ يبدو أن العرب لم يربطوا اشتراطاتهم تلك بعملية السلام الكلية والتطبيع مع ا