عواصم - خلف انهيار نظام الأسد في سورية علاقة معقدة جدا بين الإدارة السورية الجديدة وروسيا، يحاول معها الطرفان رسم ملامح علاقة إستراتيجية مستقبلية تقوم على مبدأ الاستفادة كلا من الطرف الاخر.
وشكلت الزيارة الأولى لوفد روسي إلى سورية بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد محاولة أولى محاولات رسم تلك العلاقة بين البلدين، خصوصا أنها تأتي في سياق الاهتمام الدولي والإقليمي لمسار الانتقال السياسي في سورية.
وكان قائد الإدارة السورية الجديدة آنذاك أحمد الشرع قد استقبل الثلاثاء الماضي في العاصمة دمشق الوفد الروسي الذي ضم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدنوف والإسكندر لفرنتيف المبعوث الخاص للرئيس الروسي.
ويرى خبراء أن مستقبل العلاقات بين دمشق وموسكو لن يتحدد بناء على الحمولة التاريخية لهذه العلاقة ولا من الرغبة السياسية للبلدين، وإنما من خلال التموضع الجيوسياسي لدمشق ضمن المحاور الدولية والإقليمية بما يحقق مصالحها لأن هوية سورية الجيوسياسية تتسم بتعقيداتها الناجمة عن موقعها الإستراتيجي وتداخل مصالح القوى الإقليمية والدولية فيها.
وهنا ستسعى دمشق الجديدة إلى تعزيز موقعها كدولة مستقلة قادرة على تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف الفاعلة، بما في ذلك روسيا والغرب، مع تجنب الانحياز المطلق لأي محور.
ولن تصطف دمشق في محور موسكو طهران لكنها بالوقت نفسه لن تتخلى عن علاقاتها مع دولة مهمة وعضو في مجلس الأمن ولاعب دولي مهم مثل موسكو، لكن هذه العلاقات ستكون محكومة بما سيقدمه الغرب من بدائل لدمشق.
ويمكن لعدد من الملفات أن تحدد شكل العلاقة بين موسكو ودمشق، ومن أبرزها:-
الملف العسكري
ويلعب الملف العسكري دورا رئيسا في تحديد شكل ومستقبل العلاقات بين موسكو ودمشق ويشمل ذلك مستقبل القواعد العسكرية وتسليح الجيش السوري.
وتكمن مشكلة القواعد العسكرية بالنسبة لدمشق في ارتباطها بالذاكرة السيئة للسوريين حيث قدمت هاتان القاعدتان الغطاء الجوي لقوات النظام وتسببت بتهجير عدد كبير من الشعب.
كما تتوجس دمشق من هذه القواعد التي تقع في منطقة قريبة من حاضنة نظام الأسد وهو ما يحمل دمشق على الحذر من أن تتحول هذه القواعد إلى بوابة للتدخل في الشأن الداخلي السوري أو الاتصال ببعض رجالات النظام السابق.
كما أن الاتحاد الأوروبي يشترط إخلاء القواعد الروسية في طرطوس وحميميم لرفع العقوبات عن دمشق وهو ما يدفع دمشق للموازنة بين مصلحة بقائها ومصلحة رفع العقوبات، لكن دمشق غير مستعجلة على اتخاذ هذا الموقف مع دولة مهمة مثل روسيا قبل أن يكون هناك مقابل مستحق، وفي الوقت نفسه لن تقبل دمشق أن تقوم هذه القواعد بممارسة نشاط عدائي ضد أي دولة صديقة لدمشق.
وفي المقابل، فإن هذه القواعد لم تعد تشكل تلك الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لموسكو، فقد سحبت الكثير من عتادها من قاعدة طرطوس وحميميم، وباتت تتمتع ببديل عنهما في ليبيا.
أما بالنسبة لتسليح الجيش، فيشكل تحديا كبيرا بالنسبة لدمشق خصوصا بعد تدمير الغارات الاحتلال الإسرائيلي لنحو 80 % من عتاد جيش النظام.
وتاريخيا، فقد اعتمدت سورية على السلاح والخبراء الروس في تطوير السلاح والتصنيع، لذا، فإن تغيير نمط التسليح يعني تغيير هوية الجيش القتالية، وهنا تدرك دمشق أن الغرب لن يقوم بتسليح جيشها بدون اتفاق سلام مع إسرائيل، وهنا تظهر تركيا كبديل مقبول، فإذا حصلت دمشق على السلاح التركي عندها سيكون التخلي عن السلاح الروسي خيارا مطروحا بالنسبة لدمشق وهو ما يعني خسارة موسكو لأهم ملف يمكن أن يعيد بناء نفوذها في سورية.
الملف الاقتصادي
لم يعد الوصول إلى المياه الدافئة يشكل أولوية في تفكير صانع القرار