في ظل عالم تتسارع فيه الأحداث، وتتصاعد التوترات بين الدول والمجتمعات، تبرز الحاجة إلى تعزيز القيم الأخلاقية والروحية المشتركة بين البشر، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية، فترسيخ نهج أخلاقي إنساني يتجاوز المصالح الضيقة، وإنكار الآخر، أصبح ضرورة ملحة بعدما أدى غياب هذه القيم إلى حالة من الجمود الاخلاقي، أرهقت العالم، وأشعلت صراعات لا تنتهى. نحن لا نتحدث بالطبع عن إلغاء المصالح الوطنية العليا للدول، وإنما نرى أن هذه المصالح لا بد من تأطيرها بأطر أخلاقية وروحية، لمنع الانزلاق نحو الفوضى، خاصة في ظل توجه الدول العظمى كالولايات المتحدة نحو الأنا المطلقة، متجاوزين كل القوانين والأعراف الدولية والحقوقية، حيث سيفقدهم هذا السلوك أهليتهم لقيادة العالم، فالقيادة العالمية لا يمكن أن تستند إلى الأنانية المطلقة. ويأتي أسبوع الوئام بين الأديان كمبادرة عالمية أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين- حفظه الله - حيث قدمها كمقترح إلى الأمم المتحدة سنة 2010، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، وتظهر أهميتها في: - تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وفتح المجال أمام القيم الإنسانية والروحية لتأخذ موقعها الطبيعي، كإطار للعلاقات الإنسانية والدولية، من أجل كبح جماح التطرف المادي الذي بات يهدد الاستقرار العالمي، فإذا لم يتم تبني نهج أكثر إنسانية وروحية، فإن العالم سيتجه إلى مزيد من الدمار والحروب. - الإبقاء على صوت الحكمة والاعتدال عالياً فوق صوت البارود والمدافع، ودعوة العالم للعودة إلى المبادئ الانسانية والروحية المشتركة، التي تجعل العالم أكثر أمنا وعدلا، وهذه ليست مثالية حالمة للسلام، بل هي استراتيجية قائمة على إدراك عميق للطبيعة الإنسانية التي تتوق إلى السكينة والتفاهم حتى في ظل أعقد الصراعات. - تبرئة الأديان من كل أشكال التطرف الذي تسبب فيه الاستغلال السياسي لها، فالتطرف الصهيوني اليوم في فلسطين يجهض أي فرصة للسلام العادل، وتطرف بعض المتشددين الإسلاميين يبعدنا عن قيم الرحمة والعدالة والتسامح والتعايش التي هي من ركائز ديننا الحنيف، والتطرف اليميني في الغرب يؤجج الصراعات الثقافية، فإذا تركت هذه الاتجاهات المتطرفة دون مواجهة، فإنها ستقود العالم إلى مزيد من التدهورعلى المستويات الإنسانية والاقتصادية والسياسية، مما يجعل التقارب الروحي والإنساني بين الأديان ضرورة لاحتواء النزاعات وبناء جسور الحوار بين الشعوب المختلفة. - فتح المجال للحوار الدائم بين القيادات الدينية والتفاعل بين الأديان، والتعاون في المشاريع الإنسانية المشتركة، ولكنها لا تقتصر على رجال الدين فحسب، بل تشمل المفكرين والفلاسفة وصناع القرار، الذين يدركون أن للقيم الروحية والاخلاقية دوراً في تشكيل السياسات والمجتمعات. - إيجاد نقطة إلتقاء وتقارب بين الأنانية المطلقة، والمثالية المتجردة من تحقيق المصالح، حيث يُعترف بالمصالح في إطارها الأخلاقي والإنساني، لبناء الثقة بين الأمم وإيجاد حلول مستدامة للصراعات، وتحقيق سلام قائم على أسس أكثر عمقاً من مجرد توازن القوى، بل ضرورة نابعة من الإيمان بقيمة الإنسان واحترامه، إذا كنا نريد مستقبلا أكثر إنسانية وعدلا. ليس من السهل تطبيق هذا النموذج في عالم تتحكم فيه المصالح السياسية والاقتصادية الضيقة، وصعود واضح للتطرف بأشكاله المختلفة، مما يشكل تحدياً خطيراً للاستقرار العالمي، فهناك قوى تسعى لاستغلال الدين لأغراض سياسية، مما يفرغها من مضمونها الأخلاقي، كما أن تحقيق هذه المعاني والقيم الروحية والاخلاقية يتطلب قيادات سياسية ودينية واعية قادرة