فقدَت السياسة الفلسطينية حتى مسحة الكوميديا السوداء، التي كانت تسمُ مراحل سابقة.
أذكر فيما أذكر كتاب «ليلة انتخاب الرئيس» للراحل ممدوح نوفل،
وما أزال أضحك حتى اليوم على مناكفات الراحلين ياسر عرفات وصلاح خلف (أبو إياد)، التي وثقها نوفل في كتابه آنذاك.
ليس هنالك أدنى حس كوميدي في كواليس المشهد السياسي الفلسطيني حاليا؛ إذ ما إن همّ سياسيون وناشطون وأكاديميون فلسطينيون لعقد مؤتمر فلسطيني؛ للتباحث بكيفية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وسد مواضع الخلل وترميم الترهل الحاصل، حتى انثال نفر من «الحافظين ومش فاهمين» للهجوم والتشكيك واتهام المؤتمر والقائمين عليه بمحاولة إيجاد قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، مشككين كذلك في أجندة مكان استضافة المؤتمر، معتبرين أن الأمر بُيّت بليل.
حريّ بي التنويه، وقد كنت من ضمن المدعوّين لهذا المؤتمر، لولا أن ظرفي الصحي حال دون ذلك في هذه الفترة، أن لا دولة تموّل المؤتمر، بل هو بتمويل ذاتي من الحاضرين أنفسهم أو من متبرعين فلسطينيين في الشتات، وأن الدولة المستضيفة هي التي لم تمانع عند عرض فكرة إقامة المؤتمر على أرضها، بعد أن استُمزح رأي دول عربية أخرى ولم ترغب في هذا.
أمر آخر لا بد من وضعه في الحسبان، وقد شاهدت معظم وقائع المؤتمر عبر البث المباشر على صفحة الفيسبوك الرسمية التي أسسها القائمون عليه، وهي أن جل المتواجدين والقائمين هم ممن قدموا للثورة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية في زمانها الذهبي، ومنهم عدد كبير ممن كانوا مقاتلين شرسين في الميدان، أي أنه لا يوجد من كان نشازا أو ندا قديما للمنظمة، بل على العكس، فإن معظمهم ممن أفنى حياته لنجاح فكرتها التي قامت عليها من الأساس في منتصف ستينيات القرن الماضي.
كنت قد جهزت عددا من البنود، لأطرحها في المؤتمر، لو أن ظرفي الصحي سمح بهذا، ومنها:
إعادة تفعيل مصادر التمويل الذاتية لمنظمة التحرير الفلسطينية مثل مؤسسة صامد الفلسطينية، وإعادة اجتزاء نسبة من رواتب أي موظف فلسطيني في دول الخليج العربي لصالح المنظمة، وأن تكون سياسات هذا واضحة ومعلنة، وألا يستأثر فصيل بعينه في اللعب بـ «حنفية» التمويل له ولغيره، ما سيعني عدم ارتماء أي طرف فلسطيني في حضن نظام ما، أيا كان؛ لدفع رواتب كوادره وتمويل عملياته. وما يعني أيضا القضاء على ثغرة مركزية القيادة، وعدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية.
إلى جانب ضرورة تأهيل السفراء وممثلي المنظمة بلغة كل بلاد يذهبون إليها. تماما كما كان سابقا؛ حين كان ممثل المنظمة في روما الشهيد وائل زعيتر يتقن الإيطالية، وممثل المنظمة في باريس الشهيد محمود الهمشري يتقن الفرنسية، وممثل المنظمة في لندن الشهيد سعيد حمامي يتقن الإنجليزية، وغيرهم كثر، عوضا عن المشهد الدبلوماسي المترهل حاليا، إلا في حالات فردية كالسفير الفلسطيني في قبرص عبدالله العطاري الذي يتقن القبرصية واليونانية، وسفير فلسطين في المملكة المتحدة حسام زملط الذي يتقن الإنجليزية.
ويتعدى الأمر حد إتقان اللغة فحسب، بل كذلك فهم السياسة الداخلية لكل بلاد يحل عليها ممثل المنظمة وفهم المزاج العام والانخراط فيه واستمالته بطرق حضارية، ونسج علاقات مع الإعلام والناشطين، تماما كما كان حال ممثلي المنظمة في زمانها الذهبي.
لا بد كذلك من إعادة الدور القيادي للمثقفين والأكاديميين الفلسطينيين وإشراكهم في صنع القرار وإبرام الانفاقيات وليس كما جرى في اتفاقية أوسلو التي شابتها ثغرات قاتلة؛ بسبب استئثار وجوه بعينها في القرار من دون الاستعانة بالخبراء الفلسطينيين المؤهلين في أنحاء العالم كله، وإعادة حضور المرأة ال