الموقف الأردني الداعم لاستقرار سورية يأتي ضمن سياق تاريخي وجغرافي يفرض على الأردن دورًا محوريًا في المنطقة. فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، تبنى الأردن نهجًا متزنًا ومتوازنًا يسعى إلى الحفاظ على وحدة سورية وسلامة أراضيها، وتجنب أي تصعيد يؤثر على أمن المنطقة بأسرها. هذا الموقف الأردني لم يكن مجرد خطاب سياسي، بل تَرجَم نفسه إلى خطوات عملية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية. على الصعيد السياسي، لعب الأردن دور الوسيط بين الأطراف الدولية والإقليمية بهدف الدفع نحو حل سياسي شامل للأزمة السورية، يرتكز على وحدة الدولة السورية وعودة الاستقرار إليها. وقد استضافت عمّان العديد من اللقاءات الدبلوماسية التي جمعت ممثلين عن الدول الفاعلة في الملف السوري، كما دعمت الجهود الأممية الساعية إلى التوصل إلى تسوية سلمية عبر الحوار بين مختلف الأطراف. وقد تجلى هذا الالتزام في تصريحات جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي شدد مرارًا على ضرورة إنهاء الأزمة السورية بما يضمن الأمن والاستقرار الإقليمي. وفي خطوة تاريخية تعكس الدعم الأردني الجاد لاستقرار سورية، فإن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أول مسؤول عربي رفيع المستوى يزور دمشق بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين سورية والدول العربية. حملت هذه الزيارة رسائل واضحة بشأن الرغبة الأردنية في إعادة تفعيل الدور العربي في الملف السوري، والتأكيد على أن سورية يجب أن تعود إلى حاضنتها العربية، وأن التنسيق بين البلدين ضروري لمواجهة التحديات المشتركة. على الصعيد الاقتصادي، أدرك الأردن أهمية استعادة العلاقات التجارية مع سوريا، نظرًا للمصالح المشتركة التي تربط البلدين. فالأردن يُعَدّ بوابة رئيسية لسورية نحو الأسواق الخليجية، وسورية بدورها تشكل ممراً تجاريًا مهمًا للبضائع الأردنية المتجهة نحو أوروبا ولبنان وتركيا. ومن هنا، جاء السعي الأردني لإعادة فتح المعابر الحدودية مثل معبر جابر- نصيب، وهو ما عزز التبادل التجاري بين البلدين، وساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي فرضتها الحرب على كلا الجانبين. كما شجّع الأردن المستثمرين على البحث عن فرص جديدة داخل سورية، خاصة في مجال إعادة الإعمار، وهو ما يفتح الباب أمام استثمارات مشتركة تسهم في تعافي الاقتصاد السوري. لم يكن البعد الأمني غائبًا عن المقاربة الأردنية تجاه سورية، حيث تفرض الجغرافيا المشتركة تحديات أمنية معقدة تتطلب تنسيقًا دائمًا. فمنذ اندلاع الأزمة السورية، واجه الأردن تدفقًا غير مسبوق للاجئين السوريين، وهو ما شكّل ضغطًا هائلًا على موارده المحدودة، لكنه رغم ذلك، تعامل مع الأزمة من منظور إنساني وأبقى حدوده مفتوحة لاستقبال اللاجئين، مع توفير الخدمات الصحية والتعليمية لهم. إلا أن التحدي الأكبر تمثل في تصاعد خطر الجماعات الإرهابية التي استغلت حالة الفوضى في سورية لتنفيذ عملياتها على مقربة من الحدود الأردنية. وقد عملت الأجهزة الأمنية الأردنية بالتنسيق مع نظيرتها السورية الجديدة على مواجهة هذه التهديدات، سواء عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين. إضافة إلى ذلك، يواجه الأردن تحديًا آخر يتمثل في عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية، والتي ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وقد كثّف الأردن جهوده لضبط الحدود ومنع تهريب المواد المخدرة، بالتعاون مع السلطات السورية الجديدة والجهات الدولية المعنية بمكافحة هذه الظاهرة. كما أن التعاون الأمني بين البلدين بدأ يشهد تحسنًا ملحوظًا، في في الآونة الأخيرة. على الصعيد الإنساني، لم يدّخر ال