غزة- يمشي محمد عطا الله بملامح تائهة في "سوق الصحابة" وسط مدينة غزة يتفحص البسطات العشوائية التي تزينت على خجل بفوانيس رمضان وقليل من الزينة، استعداداً لاستقبال شهر رمضان المبارك، ويقول "ها نحن على أعتاب رمضان الثاني دون أن يكون والدي بيننا".عطا الله (17 عاماً) يتذكر اليوم الذي فقدت فيه آثار والده، "لا أنسى ذلك اليوم الأسود، 12 شباط العام الماضي، حين صمم والدي على الذهاب إلى دوار الكويت جنوب مدينة غزة غير آبه بتفاصيل الحرب الضروس التي شنتها علينا إسرائيل باحثا عن لقمة عيش لنا".
يصمت برهة وكأنه لا يريد إكمال حديثه، ثم يقول: "أنا حاليا أدرس الثانوية العامة لكنني لا أشعر بأي شغف تجاه أي شيء في هذه الحياة، فأنا لا أجد جواباً على مصير والدي وهو الأمر الذي يشغلني طوال الوقت، لو كان ميتاً لكان الأمر أقل وجعا، لكنه مفقود".
ويعود بالذاكرة: "في ذلك اليوم طلبت منه برجاء ألا يذهب لذلك المكان المشؤوم، لكنه رفض وصمم على الذهاب رغم المخاطر. ذهب ولم يعد ولا أحد غير الله يعلم إن كان سيعود أصلاً، "لا أنسى حين لوح بيده من بعيد، وكأنه يودعني للمرة الأخيرة".
ويعيش عطا الله صدمة فقدان والده، وأصبح لا يطيق الخروج من البيت كي لا يسأله أحد الجيران عن مصير والده. وعن ذلك يقول: "في يوم، رآني أحد أصدقاء والدي، وقال لي أبوك الله يرحمه، يومها عدت إلى البيت باكياً فها أنا قد أصبحت مسؤولا عن عائلتي بعد أبي، وهي مسؤولية ثقيلة على شاب في عمري".
أما ربا فهي الأخرى تعيش واقع الفقد بسبب هذه الحرب المجنونة والتي أتت على كل مناحي الحياة بلا هوادة.
تقول ربا (13 عاماً) "فقدت عائلتي في استهداف لمدرسة كنا نحتمي بها كنازحين، مات والدي ووالدتي وإخوتي، ولم يبق منهم إلا أنا وجدتي السبعينية".
وتضيف "يأتي رمضان وأنا بلا عائلة". وتتساءل "مع من سأفطر نهار رمضان؟ مع من سأنتظر الأذان؟ ومع من سأعيش فرحة انتظار العيد".وتختم "لا نكهة لرمضان بدون الأحبة، فقدت جميع أحبتي وبقيت وحيدة لا أفرح لشيء".
ويطل رمضان للعام الثاني على التوالي وقطاع غزة يعيش ظروفاً صعبة على جميع الصعد، النفسية والاقتصادية والصحية والنفسية.ووفقاً لمصادر طبية في غزة فإن ما يقارب 10000 فلسطيني مفقود، بين من لا يعرف مصيرهم وبين من هم مدفونون تحت الركام.وأعلنت وزارة الصحة، يوم امس، انتشال 17 شهيدا و19 إصابة في قطاع غزة خلال 24 ساعة الماضية.
وأوضحت الوزارة في بيان، أن عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.-(وكالات)