عواصم- في سياق الصدام الذي تخوضه مع الغرب، تسعى روسيا، حاليا، إلى تحديث ترسانتها من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى؛ مما قد ينذر باشتعال سباق تسلح صاروخي جديد، بينها وبين بقية دول القارة العجوز. جاءت أحدث مؤشرات هذا التسابق في الإعلان عن تطوير نسخة جديدة من منظومة صواريخها الباليستية "إسكندر-إم"، وهي نسخة تحمل الاسم -غير الرسمي- "إسكندر- 1000". ويأتي تطوير صاروخ "إسكندر- 1000" الروسي بعد تقارير جرى تداولها عن إجراء تحسينات في منظومات صاروخي "إسكندر" و"كينجال" لزيادة المدى، وتعزيز قوة الرؤوس الحربية، وتحسين القدرة على المناورة أمام منظومات الدفاع الجوي. وتتماشى هذه التطورات مع رد روسيا على إعلان الولايات المتحدة في تموز (يوليو) 2024 عن خطط لنشر منظومات صواريخ باليستية متوسطة المدى في ألمانيا بحلول العام 2026. ومن المعروف أنه على مدى الأشهر الماضية، شهدت أوروبا تحولا إستراتيجيا جوهريا بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، وبدا أنها تندفع نحو سباق تسلح على غرار ما وقع في نهايات الحرب الباردة. يدور هذا السباق حول الصواريخ الباليستية الروسية المتوسطة المدى، تلك التي يتراوح مداها بين 500 و5,500 كيلومتر، والتي لم تعد تهدد أوكرانيا وحدها، بل تضع أوروبا بأسرها تحت مرمى النيران الروسية. وتمثل الصواريخ الباليستية تحديًا مزدوجًا بفضل سرعتها الفائقة وقدرتها على المناورة مقارنة بالأسلحة التقليدية الأخرى، وهو ما يجعل مواجهتها أكثر تعقيدًا، وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول الأكثر تطورا في مجال التقنية الدفاعية ضد تلك المهددات، حيث تمتلك المنظومة الدفاعية "ثاد". أما دول أوروبا، فتعتمد في الأساس على منظومات الإنذار المبكر الأميركية لرصد هذه التهديدات، ولكن تجد نفسها اليوم أمام تحد دفاعي خطير، حيث لا تتوافر الأنظمة القادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، بسبب تراجع تهديدات حقبة الحرب الباردة، إضافة إلى انكماش الدعم الأميركي، حيث تشعر أوروبا اليوم أنها باتت مكشوفة أمام احتمالات تصعيد عسكري غير مسبوق، وعليها أن تتهيأ لذلك وحدها هذه المرة. العام الماضي، كشفت روسيا عن صاروخها الباليستي التكتيكي المتوسط المدى "أوريشنيك"، بمدى يصل إلى 4000 كيلومتر وقدرة على حمل رؤوس حربية متعددة، مع مسار طيران أقرب إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وفقا للمصادر الروسية، قد تنشر تلك المنظومات في إقليم كالينينغراد أو منطقة سمولينسك؛ مما يمنح موسكو القدرة على استهداف نحو نصف دول القارة الأوروبية، إضافة إلى الأصول المهمة في بحر البلطيق. وفي حال نشرت روسيا صواريخ بمدى 1000 كيلومتر فقط في كالينينغراد أو سمولينسك، فستكون العديد من الدول الأوروبية في نطاقها. فمن كالينينغراد، المطلة على بحر البلطيق والحدودية مع بولندا وليتوانيا، يمكن للصاروخ استهداف بولندا وألمانيا والسويد والدنمارك والتشيك وسلوفاكيا وأجزاء من فنلندا وأوكرانيا والنرويج. أما من سمولينسك، القريبة من الحدود الغربية لروسيا، فإن مدى الصاروخ يمكن أن يشمل بيلاروسيا وأوكرانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا ورومانيا، إضافة إلى التأثير في حركة الملاحة في بحر البلطيق. كما أن احتمال نشر صواريخ "إسكندر- 1000" في سمولينسك قد يمثل تهديدا مباشرا لمقاتلات "إف-16" الأميركية التي تسلمتها أوكرانيا في آب (أغسطس) الماضي. وفي آذار (مارس) 2024، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أي قاعدة جوية غربية تستضيف مقاتلات "إف-16" الموجهة إلى أوكرانيا ستعد هدفا مشروعا للقوات الروسية، سواء داخل أوكرانيا أو حتى في دول الناتو مثل بولن