نايف استيتيه / وزير العمل الأسبق
حمل خطاب العرش السامي الذي ألقاه جلالة الملك خلال افتتاحه أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، الكثير من الإشارات والدلالات التي يؤكد لنا الإمعان في مضامينها وتحليلها أنها جاءت شاملة وجامعة لجملة من القضايا والملفات التي تتطلب تعاملًا دقيقًا وجادًا معها سواء كان ذلك فيما يتعلق مباشرة بتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم جرّاء الحرب التي ما زالت رحاها تدور في قطاع غزة، أو ما تفضل به جلالته عندما أكد على أن المواطن الأردني كان وسيبقى محط الاهتمام وأن تحسين مستوى معيشته أولوية لا بد من تكاتف الجهود ووضع الخطط والبرامج العملية من أجل تحقيقها ضمن أقصى طاقات وإمكانات متاحة.
خطاب يستحق التأمل، ويستوقفني في هذا المقام قول جلالته (هدفنا توفير الحياة الكريمة وتمكين الشباب وإعدادهم لوظائف المستقبل، وعلينا مواصلة تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي لإطلاق إمكانات الاقتصاد الوطني، ورفع معدلات النمو خلال العقد القادم) ولعل تفسير ذلك إيمان جلالته بأهمية المضي بتنفيذ مضامين رؤية التحديث الاقتصادي التي تعد بمثابة خريطة طريق محكمة للسنوات القادمة والتي تقتضي إطلاق الإمكانات وجذب الاستثمارات لتحقيق النمو الشامل المستدام، وفي هذا الصدد فنحن نرى أن تنفيذ مضامين الخطاب الملكي السامي يتطلب من القطاعين العام والخاص العمل كفريق واحد، ووضع خطط تنفيذية محددة بفترات زمنية معينة في تنفيذ هذه الشراكات وبالتالي فإن وجود الخطة الزمنية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين كافة مؤسسات المجتمع المدني فإن ذلك سيقود إلى تمكين الشباب الأردني عبر نوافذ التدريب المهني والتقني مما يقود إلى خفض نسبة الفقر والبطالة، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن، خاصة في ظل إيمان جلالة الملك أنه لدى الأردن، آفاق واسعة لزيادة الاستثمار في شتى المجالات والقطاعات الواعدة، وأنه غني بطاقاته الشبابية، وبإمكانياته وخبراته وعلاقاته الاقتصادية مع العالم.
إن من أبرز المؤشرات التي تضمنتها الرؤى الملكية بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام كان التأكيد الملكي على حل معضلتي الفقر والبطالة، فضلًا عن إصرار جلالته في أكثر من مناسبة على تفعيل أوجه التعاون البنّاء بين القطاعين العام والخاص إذا ما أردنا الوصول إلى تحقيق الغايات التي يتطلع إليها جلالته الذي أدرك مبكرًا أن تحقيق الأهداف الوطنية في التعامل مع هذه القضايا لا يمكن أن يحدث دون بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، يكون الأخير بموجبها هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الاقتصادية، ويلعب دوره الحيوي في بناء سياسات واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي بمختلف جوانبه المالية والاقتصادية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها، لأن للقطاع الخاص دور لا يستهان به في تغيير ثقافة الشباب نحو التعليم المهني والتقني من خلال استراتيجية إعلام واتصال قوية وحملة وطنية لتغير هذه الثقافة وتشجيع الشباب للالتحاق بالتعليم المهني والتقني، خاصة أن مراكز مؤسسة التدريب المهني منتشرة في معظم مناطق المملكة ولديها القدرة على مواكبة التطوير والتغيير باستمرار.
إن الاقتصاد الأردني يعتمد بشكل رئيسي على عدة قطاعات منها السياحة والخدمات والصناعة وغيرها من القطاعات، التي تعد الحجر الأساسي لنمو الاقتصاد الوطني، ويتمتع بفرص استثمارية واعدة كالسياحة وتكنولوجيا المعلومات، التعدين، الزراعة والصناعات الغذائية والخدمات، كما يتمتع الأردن ببيئة استثمارية جاذبة وآمنة، ولعل العمل على تطوير هذه القطاعات وإعطائها الأولوية يتطلب ما أشار إليه جلالته وذكره في أكثر من مناسبة حول أهمية الموقع الإستراتيجي للمملكة والبيئة السياسية المستقرة والاقتصاد الحر المفتوح، والتي جعلت الأردن بيئة خصبة للاستثمار على صعيد المنطقة والإقليم، وكل ذلك يتطلب شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتنفيذ كافة مضامين رؤية التحديث الاقتصادي لانفاذ رؤية جلالة الملك ودعم الشباب الأردني ، وذلك كله يكون محددا بخطط زمنية لئلا تبقى حبرا على روق لا ينتج عنها أي تقدم يذكر .
.