القلعة نيوز- سارة مطر- بيروت - العربي الجديد
تزايدت وتيرة الاتصالات المشبوهة التي يتلقاها لبنانيون من أرقام هواتف مجهولة، والتي تدعوهم إلى إخلاء المباني في أكثر من منطقة، ما يفاقم الرعب في نفوسهم، ويدفع بعضهم إلى النزوح بلا وجهة.
تلقى آلاف من اللبنانيين اتصالات من أرقام مجهولة، تطالبهم بترك منازلهم فوراً، أو مغادرة المنطقة، وتكرر ذلك مع سكان أكثر من منطقة في العاصمة بيروت، وفي محافظتَي الجنوب وجبل لبنان ومناطق أخرى، ما يثير هلع كثيرين، وسط تساؤلات عن مصدر هذه الاتصالات، وحقيقة ما يذكر فيها.
وتداول ناشطون لبنانيون تسجيلات صوتية لنماذج من الاتصالات الواردة، والتي يتكرر فيها ما يشبه الرسائل الصوتية التي تقول: "أنتم توجدون في مبنى يضم أسلحة لحزب الله أو بالقرب منه، من أجل سلامتكم وسلامة عائلتكم عليكم الإخلاء فوراً، والابتعاد 500 متر عن المبنى، وتحذير كل من يقيم في الجوار بالابتعاد أيضاً"، وتختم بأنها صادرة عن الجيش الإسرائيلي.
في المقابل، تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي أرقام هواتف الأجهزة الأمنية والعسكرية والخطوط الساخنة المرتبطة بها، طالبين تبليغها فور ورود اتصال مشبوه.
وكشف مصدر أمني لبناني لـ"العربي الجديد" أن "الأجهزة الأمنية والعسكرية على اختلافها تتحرك فور ورود بلاغات، لكن أعداد الاتصالات الواردة هائلة، وهي تشمل إنذارات واتصالات مشبوهة. من المهم الاتصال بقوى الأمن الداخلي أو غرفة عمليات قيادة الجيش. هناك مواطنون تلقوا اتصالات من أرقام مشبوهة مختلفة، وليس من الرقم ذاته، وبعد التحقيقات، تبين أن بعضها مرتبط بالعدو الإسرائيلي".
يتابع المصدر: "هناك أيضاً اتصالات زائفة، ويوم الأحد، جرى توقيف مشتبه به لبناني قام لأسباب خاصة باتصالات مشابهة بهدف إخراج النازحين الموجودين في مبناه، ما أثار البلبلة، كما اتضح أن البعض يقوم باتصالات مشابهة بهدف التسلية، أو باعتبارها نوعاً من المزاح بين الأصدقاء، غير مدركين خطورة الأمر، فهي ليست لعبة كما يعتقدون، وقد تم كشف حالات كثيرة. علينا أن نأخذ كل اتصال على محمل الجد ريثما يظهر العكس، وهناك اتصالات تعتمد على نظام "في بي إن"، لذلك تستغرق وقتاً للتأكد من طبيعتها".

يرجح أن الاتصالات جزء من عملية إسرائيلية ضمن الحرب النفسية
بدوره، يقول المحامي حسن بزي لـ"العربي الجديد": "كان من اللافت ورود اتصالات مماثلة لأكثر من مائة ألف شخص يوم السبت الماضي. وصل إلي اتصال مسجل، وليس عبر شخص يتواصل معي، ما يعني أننا أمام عملية إلكترونية وليس اتصالات فردية، وقد تواصلت مع مرجع أمني يتابع الملف، وأفاد بأننا أمام احتمالين، الأول أن يكون هناك مقرصن يقوم بالتلاعب، ويحاول خلق أزمة اجتماعية، كون مصدر الأرقام في بيلاروسيا، لكن لدى التواصل مع المرجعيات الأمنية في بيلاروسيا، تبيّن أن الأرقام ليست موجودة هناك، والاحتمال الثاني، وهو الأرجح، أنها عملية أمنية يقودها العدو الإسرائيلي، بحيث يتلاعب بمصدر الاتصال كنوع من الحرب النفسية، بهدف الضغط على المقاومة للموافقة على الشروط غير المنطقية للتفاوض التي تتنافى مع مضمون القرار 1701، وخلق فتنة بين النازحين والمقاومة، وهذا ما تعتقده الأجهزة الأمنية، والفتنة، إن حصلت، ستجبر لبنان على القبول بشروط مذلة لوقف العدوان الإسرائيلي".

ويؤكد المحامي اللبناني أن "الاتصالات لم تشعره بالخوف، وبالتالي لم يترك منزله، كون الاتصالات مسجلة، ووردت إلى آلاف اللبنانيين، ومن بينهم نازحون، وأشخاص غادروا لبنان. وردني اتصال مماثل في سبتمبر/أيلول الماضي، وطلب مني إخلاء منزلي في مدينة بنت جبيل (جنوب) رغم أنني كنتُ قد تركتُ المنزل قبل نحو سنة. هذه الاتصالات العشوائية قيد المتابعة والملاحقة، وهي عبارة عن حرب نفسية، وأعتقد أنه خلال يومين أو ثلاثة أيام سيصدر تقرير أمنيّ يظهر نتائج التحقيقات".
لم تهنأ رفيف فنيش، التي لم يمض على زواجها سوى سنة، بالهدوء منذ نزوحها من الضاحية الجنوبية لبيروت رفقة عائلتها إلى منزل خالتها في منطقة سوق الغرب (جبل لبنان). وتقول لـ"العربي الجديد": "لاحقنا الرعب إلى الجبل بعد أن تلقى زوج خالتي، ظهر السبت، اتصالاً يطالبه بالإخلاء، خاصة أن المبنى مؤلف من طابقين، ويضم ست عائلات. انقسمنا بين مؤيد للإخلاء تفادياً لوقوع أي مكروه، وبين آخرين يرون أنها اتصالات زائفة. في النهاية غادرنا المبنى، ولم نحمل سوى الأوراق الثبوتية ومدخراتنا. كانت لحظات عصيبة، وسارعنا بالسيارات إلى منطقة رأس الجبل، ومن ثم إلى مدينة عالية".
تضيف فنيش: "حاولنا الاتصال بالخطوط الساخنة للأجهزة الأمنية والعسكرية من دون أن نحصل على رد، فعدنا إلى المنزل ليل الأحد، لأنه ما من خيار آخر. سننام في المنزل رغم المخاوف. سكان المبنى المجاور وردتهم الاتصالات على مدار يومين متتاليين، ما دفعهم إلى الإخلاء، لكنهم أيضاً عادوا لاحقاً. الواقع مؤلم، وعلى الأرجح يحاول العدو الإسرائيلي تخويف الناس، وفي كل الأحوال لا يمكن المجازفة بالبقاء في المنزل، وقد لاحظنا أثناء مغادرتنا حركة سير كثيفة، وعمليات إخلاء لمبانٍ كثيرة في منطقة سوق الغرب، بناء على اتصالات مماثلة".

بدورها، تتحدث مايا الخوري عن رعب الاتصالات الإضافي الذي يعاني منه اللبنانيون، وتقول لـ"العربي الجديد": "كأن الغارات الإسرائيلية لا تكفي حتى تأتينا تلك الاتصالات المشبوهة. نقيم في منطقة الحدث المحاذية للضاحية الجنوبية، ونعيش أوضاعاً أمنية صعبة. ورد اتصال إلى أحد سكان المبنى صباح يوم الجمعة، علماً أنه ضابط في الجيش اللبناني، واستيقظنا على وقع الصراخ والفوضى. حملت مفتاح السيارة وهرعت رفقة ابني وابنتي، وانتقلنا إلى ساحة البلدة، حيث بقينا داخل السيارة نحو ثلاث ساعات، قبل أن نعود أدراجنا بعد تطمينات من الجيش بأن الاتصالات ترد إلى كثيرين، وأن هدفها هو التخويف".
وتضيف: "الخوف يعطل التفكير، ويكون تفكيرنا في الهروب فقط، خاصة أننا لا نعلم المهلة الزمنية الممنوحة للإخلاء، كما أن توقيتات الاتصال، وإجبار الأهالي على الاستيقاظ لسماع الخبر، والفرار بهذه الطريقة، كلها عوامل تفاقم الرعب، لا سيما مع وجود أطفال. مشهد الهروب كان مأساوياً".
وتوضح الخوري: "لم نعرف مصدر الاتصالات بعد، ومن المؤكد أن العدو الإسرائيلي هو المسؤول عنها كونها انتشرت في وقت واحد، ووصلت إلى أشخاص في أكثر من منطقة لبنانية، والغرض هو إثارة الهلع. أغلب المباني والمناطق في الضاحية الجنوبية لا علاقة لها بحزب الله، وهناك العديد من أصدقائي الذين خسروا بيوتهم ومحالهم وأرزاقهم بذرائع إسرائيلية واهية، فكيف ستكون هناك منشآت لحزب الله في منطقة الحدث الواقعة خارج نطاق الضاحية الجنوبية؟".
ضرب نزوح شبه جماعي منطقة زقاق البلاط في وسط بيروت. وتوضح سميرة، الأم لخمسة أطفال، أنها غادرت منزلها رفقة عائلتها بعد ورود اتصال إلى جارتها النازحة، بعد ظهر يوم السبت، داعياً إياها لإخلاء المنزل. وتقول لـ"العربي الجديد": "هربنا جميعاً من المبنى الذي يتألف من عشرة طوابق، ويضم عدداً كبيراً من العائلات من أهل المنطقة والنازحين، كما غادر عدد كبير من سكان الأحياء الأخرى، ومنهم من نام على الشاطئ، ومنهم من قضى الليل في الشوارع خشية قصف المنازل فوق رؤوسهم".
وتتحسر سميرة على حالها كونها نازحة، إذ قصدت منزل أصدقائها في منطقة دوحة الحص (جبل لبنان)، وتضيف: "لن نعود إلى منزلنا حاليّاً، ولا نعرف مصيرنا. نترقب الأوضاع لتحديد وجهتنا المقبلة. لم نعرف بعد مصدر الاتصال، علماً أن بعض الاتصالات زائفة بهدف إثارة الهلع. نعيش حالة من القلق الدائم على الأطفال وكبار السن، ناهيك بتشتت العائلات، فقد هرع الأشخاص إلى مناطق مختلفة".
ليست أحوال ندى سكرية أفضل، فقد اضطرت إلى ترك منزلها في منطقة رأس النبع بوسط بيروت والنزوح رفقة عائلتها إلى منزل أصدقائهم بالقرب من "الزيتونة باي" في وسط العاصمة. وتخبر "العربي الجديد" أن أصدقاءها وجيرانها أرسلوا إليها التهديدات والإنذارات التي وصلت إليهم هاتفياً، فلم يكن أمامها سوى إخلاء المنزل من باب الاحتياط، خاصة أنه يقع خلف مركز حزب البعث العربي الاشتراكي لذي تعرض للاستهداف الإسرائيلي مؤخراً. وتقول: "لم نتأكد من صحة التحذيرات، لكننا فضّلنا الابتعاد ريثما تستقر الأمور وتهدأ أعصابنا".
المصدر : العربي الجديد
.