تشهد البنوك وشركات الصرافة في تركيا حالة من الاستنفار للكشف عن تسلل مبالغ من العملة الأميركية من فئة 100 دولار "البيضاء" أو القديمة إلى السوق، حيث أوقفت التعامل بهذه الفئة النقدية للسيطرة على التعاملات إلى حين ضبط القائمين على عملية التزوير، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما شهدته البلاد قبل نحو عام من ضبط مليار دولار مزور دفعة واحدة.
وقالت مصادر مسؤولة في مصرف "خلق بنك" إن البنوك التركية أوقفت، منذ الاثنين الماضي، استلام وتسلم ورقة 100 دولار القديمة بعد زجّ كميات مزورة منها في السوق، مؤكدا أن هذا الإجراء مؤقت ريثما يتم الوقوف على كيفية التزوير ومن وراءها، وضبط معايير آلات عد العملة لتكشف التزوير. وأضافت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها أن "الأمر في طريقه للحل ولا حاجة لأي قلق من المكتنزين".
وكشف أحد أصحاب شركات الصرافة في مدينة إسطنبول لـ"العربي الجديد" أن القصة بدأت منذ الأسبوع الماضي، بعد أن تسللت للسوق ورقة 50 دولارا مزورة، ولكن بكميات قليلة على ما يبدو. لكن الأمر تطور، صباح الجمعة الماضي، فأوقفت شركات صرافة عدة استلام ورقة 100 دولار القديمة، لكن الأمر تفاقم يوم الاثنين، حين توقفت المصارف عن استلام الـ100 دولار القديمة، وامتناع محال وشركات الصرافة عن استلامها وتصريفها أيضا. ويشير مصطلح الدولار الأبيض إلى الطبعة القديمة من الدولار (عام 2003-2006)، أما الدولار الأزرق فهو الطبعة الحديثة بعد عام 2009. ويميل لون ورقة الدولار الحديثة إلى الزرقة بعض الشيء، وهو ما يميزه عن الدولار الأبيض. كما أن الدولار الأبيض يحتوي على ميزات أمان أقل تجعله أكثر عرضة للتزوير، أما الطبعة الحديثة فتحتوي على سمات تصعّب عملية التزييف كالشريط الأزرق الطولي في منتصف الورقة والعلامة المائية البرتقالية.
وقال صاحب شركة صرافة في إسطنبول أيضا، فضل عدم ذكر اسمه، إن الـ"100 دولار الأبيض" غير الحقيقية التي جرى اكتشافها مزورة بطريقة عالية الاحتراف، لدرجة عدم كشفها من آلات عد العملة الحديثة، ولكن على ما أعتقد، يتم اليوم إعادة ضبط آلات عدادات العملة بحيث يتم كشف العملة المزورة وتلفظها الآلات، وذلك يحتاج ليومين لا أكثر، مضيفا أن "الأمر مؤقت، وسيتم حل المشكلة عبر ضبط وتحديث ماكينات العد، وحين تحل المشكلة وتستلم المصارف المائة دولار الأبيض، تكون عملية طمأنة لنا ونستلم ويعاد التداول إلى ما كان عليه".
وتعيد مشكلة تزييف العملة الأميركية الحالية داخل الأسواق إلى الأذهان ما شهدته البلاد في يونيو من العام الماضي 2023، حينما أعلنت السلطات التركية ضبط مليار دولار مزورة، وكشفت عن جنسيات 6 أشخاص أوقفتهم خلال عملية استهدفت مستودع بمدينة إسطنبول. وأوضحت السلطات حينها أن المبالغ المضبوطة من فئة الـ100 دولار، وأن المتورطين في عمليات التزوير كانوا قد وضعوا النقود بالفعل داخل صناديق شحن لنقلها إلى أفريقيا. وهذه الكمية من النقود المزورة كانت تعتبر الأكبر بين الكميات المضبوطة في تاريخ الجمهورية التركية.
وقال فراس شعبو، أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير في إسطنبول، إن إيقاف التعامل بالدولار الأبيض، سيكون مؤقتاً إلى حين حل المشكلة عبر الوصول إلى "أصل الموضوع"، سواء كان التزوير على الأراضي التركية أم تم إدخال العملة من الخارج، مضيفا أن "ورقة 100 دولار الأبيض أقل تحصيناً وأكثر قابلية للتزوير من ورقة 100 دولار الجديدة ذات اللون المائل إلى الزرقة، لذا ترى سعر صرفها أقل في العديد من دول العالم".
بدوره، رجّح المحلل التركي باكير أتاجان أن تكون العملة المزورة دخلت من الخارج، كونها مزورة بدقة عالية، واحتمال تزويرها في تركيا قليل. وقال أتاجان لـ"العربي الجديد" إن فئات عدة من الدولار الأميركي، في مقدمتها ورقة 100 دولار، تتعرض لتزوير في جميع دول العالم، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، معتبراً أن "قوة الدول تتمثل في سرعة كشف التزوير ووقف التداول بالعملة المضروبة وإلقاء القبض على الجناة، وهذا ما حدث في تركيا العام الماضي، وسيتم إلقاء القبض على مروجي العملة المزورة هذه المرة قريباً".
وعن مصير من يمتلك أوراقا نقدية من فئة 100 دولار البيضاء، قال المحلل التركي علاء الدين شنكولر، إن البنك المركزي التركي وحتى البنوك الخاصة والحكومية، لن تتخلى عن مالكي الدولار، ولكن القصة بحاجة إلى بعض الوقت، حتى يتم كشف ملابسات التزوير وحجمه وطريقته، ويتم سحب العملة المزورة من السوق والتداول.
وينص القانون التركي رقم 179 على عقوبات تطاول 3 حالات "تزوير العملة وتداولها" الأولى محاولة تداول أو نقل أو الاحتفاظ بعملات مزورة، وعقوبتها بين عامين و12 عاما سجناً مع غرامة مالية. والثانية قبول عملات مزورة مع معرفة أنها مزورة، عقوبتها من عام حتى 3 أعوام سجنا مع غرامة مالية، وأما الحالة الثالثة فهي قبول عملات مزورة من دون علم ومن ثم محاولة التداول بها، وعقوبتها من 3 أشهر حتى عام في السجن.
وتختلف نسب التزوير حسب الورق والطباعة والحبر. ورغم ضبط عمليات تزوير في مناطق متفرقة من العالم تبقى العملة الأميركية من أكثر الأوراق النقدية صعوبة في التزوير، وسرعان ما يجري ضبطها كون التزوير لا يصل إلى درجة المطابقة الكاملة حتى في حالات الدقة العالية.
وهناك 6 ميزات لفئة الـ100 دولار يمكن أن تكشف التزوير، تتمثل في الأرقام التسلسلية وما تعرف بـ"كوكبة يوراين"، حيث يوجد لكل ورقة رقم فريد لتسجيل البيانات الخاصة بإنتاجه وتتبّعه. أما كوكبة "يوراين" فهي عبارة عن مجموعة تشبه النجوم من الحلقات الصفراء بالقرب من الرقم التسلسلي، يمكن اكتشافها فقط عن طريق برامج التصوير.
والميزة الثانية تتمثل في تغير لون الورقة بزوايا مختلفة بفضل الرقائق المعدنية الصغيرة داخل الحبر الذي طُبعت به، وثالثا الطباعة المصغرة التي تسمح بالحصول على صور يمكن التحقق منها، والتي لا يمكن مسحها ضوئيا بواسطة آلات التصوير أو رؤيتها بالعين المجردة. وتحتوي فئة الـ100 دولار على عبارات مثل "USA 100" مكتوبة بشكل غير مرئي في أماكن متعددة. كذلك طباعة النقش الغائر، التي تعد ميزة رابعة، فبدلا من ضغط الحبر العادي على الورق، تستخدم طباعة النقش الغائر، وكل قيمة ورقة مختلفة لها توقيع مغناطيسي فريد.
وخامساً تحتوي هذه الفئة النقدية على خيوط أمان وشرائط ثلاثية الأبعاد، عبارة عن خيط رأسي مضمّن يمر على طول الورقة، وتمكن رؤيته فقط تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية، ويحتوي على نص مطبوع بدقة يحدد قيمة الفئة النقدية، وينعكس لونه بدرجة مختلفة حسب نوع الفئة. وإضافة إلى ذلك، تُوضع شرائط ثلاثية الأبعاد في وسط الفئة بنمط يتغير قليلا أثناء تحركه. والميزة السادسة تتمثل في الورق والألياف والعلامات المائية، حيث إن النقود الأميركية مصنوعة من القطن والكتان، فقد جرى نسج ألياف القماش باللونين الأزرق والأحمر في المادة كميزة تعريفية أخرى. كما توجد العلامات المائية في معظم الأوراق النقدية ولا يمكن اكتشافها إلا عن طريق مرور الضوء عبر ورقة العملة.