بعد رحيل مافيا الأسد.. هل سيراجع السوريين إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في بناء سوريا الدولة السياسية الحديثة
د. عبدالله حسين العزام
إن الحرب الدموية التي شنها نظام الأسد ضد الشعب السوري منذ آذار 2011، انتهت في الثامن من كانون الأول لعام 2024، بعد نجاح المعارضة السورية المسلحة في إسقاط نظام الأسد المجرم و رموز نظامه مافيا السياسة والكبتاجون، لكن سوريا ما بعد الأسد تواجه التحدي الصعب المتمثل في بناء الديمقراطية بعد عقود من القمع الدموي والتفرد في السلطة والاقصاء و التهميش للغالبية العظمى من المواطنيين السوريين.
في تقديري يمثل إعلان دمشق الذي تضمن الدعوة إلى الحرية و إقامة دولة ديمقراطية حقيقية في ظل سيادة القانون والذي تم صياغته من قبل المعارضة السورية والمنظمات الحقوقية المدنية وشخصيات مستقلة، كأول إعلان للمعارضة السورية يصدُر من داخل سوريا في تشرين الأول عام 2005 ، والذين طالهم إجرام الأسد لاحقاً، سيما وأن الإعلان يتعارض مع سياسة نظام الأسد الوحشي المعتاد على الانقسامات الطائفية والدّينية، وتغذيتها، ليكتسب شرعية وجوده وضمان بقاءه في السلطة، بينما الإعلان يوحد السوريين تحت شعار سوريا الوطن وتثبيت مواطن سوري لا يعبأ بالاختلافات الدينية أو الطائفية أو الأيدلوجية، ربما يوفر لحكومة البشير المؤقتة المبادئ التوجيهية الأساسية القابلة للتعديلات بالتأكيد في ظل معطيات المرحلة الجديدة والواقع السوري الحالي، لإنجاح مرحلة الشعب السوري ما بعد إنتصار ثورتهم المشروعة ضد نظام الأسد البائد وبناء الديمقراطية الحديثة في سوريا على أسس المدنية والشمول والتعددية والاستقرار، وبشكل يضمن تبديد المخاوف الدولية والإقليمية حول مستقبل البلاد السياسي، مع ضرورة تعزيز المؤشرات الإيجابية في إنجاح تجربة سوريا الجديدة والانتقال السلس للسلطة من خلال سيناريو ذهبي يقوم على تأسيس دولة سورية ديمقراطية حديثة تقف على مسافة واحدة من جميع السوريين تبدأ بوضع دستور جديد وانتخاب الرئيس والبرلمان ويتجهان نحو مسار تعزيز وتطوير العلاقة مع الدول العربية المجاورة والإقليمية والدولية ككل.
وكما هو معلوم للسوريين فإن إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي صدر عام 2005 من قبل قوى المعارضة السورية شكل حالة ذعر ورعب لنظام الأسد في تلك الفترة، بعد أن حققت المعارضة نجاحاً لافتاً في توحيد صفوفها ومارست العمل الجماعي التنظيمي عبر الهيئات والمؤسسات من خلال ممثلين من جميع المحافظات السورية، وكانت أهدافها تصب في مواجهة السياسات التي سلكها حزب البعث ونظام الأسد في سوريا والتي أوصلت الدولة السورية والمجتمع إلى وضعٍ يدعو للقلق على سلامتها الوطنية ومصير شعبها نظراً لاحتكار السلطة السياسية وتأسيس نظام تسلطي شمولي فئوي أورث سوريا دمار واسع تمثل في تهتك النسيج الاجتماعي الوطني للشعب السوري، والانهيار الاقتصادي والأزمات المتفاقمة.
تألف إعلان دمشق من 17 فقرة، شكلت الأسس المعتمدة للتغيير الديمقراطي المنشود، إضافة إلى سبعة بنود إجرائية، كمحددات لهذا التغيير، بحيث يبقى الإعلان مفتوح لمشاركة جميع السوريين وتقبل طروحاتهم وإسهاماتهم ويظل عرضة لإعادة النظر، فهل سيراجع السوريين وحكومة البشير المؤقتة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في بناء سوريا الدولة السياسية الحديثة.
وتالياً تفاصيل إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الصادر بتاريخ تشرين الأول 2005
"إن سورية اليوم تتعرض لضغوط لم تشهدها من قبل، نتيجة السياسات التي ينتهجها النظام، والتي أوصلت البلاد إلى حالة تستدعي القلق على سلامتها الوطنية ومصير شعبها. إن سورية تقف اليوم على مفترق طرق، وهي بحاجة إلى مراجعة الذات والاستفادة من تجربتها التاريخية أكثر من أي وقت مضى.
إن احتكار السلطة لكل شيء منذ أكثر من ثلاثين عاماً أدى إلى إرساء نظام سلطوي شمولي فئوي أدى إلى غياب السياسة في المجتمع وفقدان الناس اهتمامهم بالشأن العام، الأمر الذي جلب على البلاد الدمار المتمثل في تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني للشعب السوري، والانهيار الاقتصادي الذي يشكل خطراً على البلاد، وتفاقم الأزمات من كل نوع، فضلاً عن العزلة الخانقة التي جلبها النظام على البلاد نتيجة لسياساته التدميرية والمغامرة وقصيرة النظر على المستويين العربي والإقليمي، وخاصة في لبنان، والتي قامت على أسس استنسابية ولم تسترشد بالمصالح الوطنية العليا.
إن كل ذلك ـ وغيره الكثير ـ يستدعي حشد كل طاقات سورية الوطن والشعب في مهمة إنقاذية تغييرية تخرج البلاد من قالب الدولة الأمنية إلى قالب الدولة السياسية، حتى تتمكن من تعزيز استقلالها ووحدتها، وحتى يتمكن شعبها من الإمساك بزمام أمور وطنه والمشاركة بحرية في إدارة شؤونه. إن التحولات المطلوبة تطال مختلف جوانب الحياة، وتشمل الدولة والسلطة والمجتمع، وتؤدي إلى تغيير السياسات السورية في الداخل والخارج.
وحيث أن الموقعين على هذا البيان يشعرون بأن اللحظة الراهنة تستدعي وقفة وطنية شجاعة ومسؤولة تخرج البلاد من حالة الضعف والانتظار التي تسمم الحياة السياسية الراهنة، وتجنيبها الأخطار التي تلوح في الأفق، وإيماناً منهم بأن الخط الواضح المتماسك الذي تتفق عليه قوى المجتمع المختلفة، والذي يرسم أهداف التغيير الديمقراطي في هذه المرحلة، يكتسب أهمية خاصة في تحقيق هذا التغيير من قبل الشعب السوري ووفقاً لإرادته ومصالحه، ويساعد على تجنب الانتهازية والتطرف في العمل العام، فقد اتفقوا على الأسس التالية:
إن إقامة نظام وطني ديمقراطي هو المدخل الأساسي لمشروع التغيير والإصلاح السياسي، ويجب أن يكون سلميا، متدرجا، مؤسسا على التوافق، ومبنيا على الحوار والاعتراف بالآخر.
- نبذ الفكر الشمولي وقطع كل مخططات الإقصاء والوصاية والاستئصال تحت أي مبرر تاريخي أو واقعي، ونبذ العنف في ممارسة العمل السياسي، والسعي إلى منع وتجنب العنف بأي شكل ومن أي جهة.
إن الإسلام ـ وهو دين الأغلبية ومذهبها، بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحة ـ هو المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب، وقد تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وفي تفاعل مع الثقافات الوطنية التاريخية الأخرى في مجتمعنا، في ظل الاعتدال والتسامح والتفاعل المتبادل، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء، مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصياتهم، أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة.
لا يحق لأي حزب أو تيار أن يدعي دوراً استثنائياً، ولا يحق لأحد أن يقصي الآخر أو يضطهدّه أو يغتصب حقه في الوجود والتعبير الحر والمشاركة في الوطن.
- اعتماد الديمقراطية كنظام حديث ذو قيم وأسس عالمية، يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب ودولة المؤسسات وتداول السلطة عبر انتخابات حرة ودورية تمكن الشعب من محاسبة أصحاب السلطة وتغييرهم.
- بناء دولة حديثة يقوم نظامها السياسي على أساس عقد اجتماعي جديد يؤدي إلى دستور ديمقراطي حديث يجعل المواطنة معياراً للانتماء، ويعتمد التعددية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون في دولة يتمتع جميع مواطنيها بالحقوق نفسها وعليهم نفس الواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين أو العرق أو الطائفة أو العشيرة، ويمنع عودة الاستبداد بأشكال جديدة.
- التوجه إلى كل مكونات الشعب السوري، وكل اتجاهاته الفكرية وطبقاته الاجتماعية، وأحزابه السياسية ونشاطاته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإتاحة الفرصة له للتعبير عن آرائه ومصالحه وتطلعاته، وتمكينه من المشاركة بحرية في عملية التغيير.
ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن أنفسهم، وحماية دورهم وحقوقهم الثقافية واللغوية، مع احترام الدولة لهذه الحقوق ورعايتها، في إطار الدستور والقانون.
- إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية، بما يضمن المساواة الكاملة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين، في حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة الوطنية، وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية على أساس وحدة سورية أرضاً وشعباً، وإعادة الجنسية وحقوق المواطنة لمن حرم منها، وتسوية الملف بشكل كامل.
- الالتزام بسلامة وأمن ووحدة الوطن السوري ومعالجة مشاكله بالحوار والحفاظ على وحدة الوطن والشعب في كل الظروف والالتزام بتحرير الأراضي المحتلة واستعادة الجولان للوطن وتمكين سورية من القيام بدور عربي وإقليمي فاعل وإيجابي.
إلغاء كل أشكال الإقصاء في الحياة العامة، بوقف العمل بقانون الطوارئ؛ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وكل القوانين ذات الصلة، بما في ذلك القانون رقم 49 لسنة 1980؛ وإطلاق سراح كل السجناء السياسيين؛ (السماح) بعودة آمنة ومشرفة لكل المطلوبين والمنفيين طوعاً أو كرهاً بضمانات قانونية؛ وإنهاء كل أشكال الاضطهاد السياسي، بتسوية المظالم وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.
- تعزيز الجيش الوطني والحفاظ على روحه المهنية، وإبقائه خارج إطار الصراع السياسي واللعبة الديمقراطية، وحصر مهمته في حماية استقلال البلاد وصيانة النظام الدستوري والدفاع عن الوطن والشعب.
تحرير المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات وغرف التجارة والصناعة والزراعة من وصاية الدولة ومن هيمنة الحزب والأمن وتوفير شروط العمل الحر لها كمنظمات مجتمع مدني.
إطلاق الحريات العامة وتنظيم الحياة السياسية من خلال قانون عصري للأحزاب وتنظيم الإعلام والانتخابات وفق قوانين عصرية تضمن الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع.
- ضمان حق العمل السياسي لجميع مكونات الشعب السوري بمختلف انتماءاتهم الدينية والقومية والاجتماعية.
- التأكيد على انتماء سورية للمنظومة العربية وإقامة أوسع علاقات التعاون معها وتعزيز الروابط الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تقود الأمة العربية إلى طريق الوحدة وتصحيح العلاقة مع لبنان بحيث تكون مبنية على الحرية والمساواة والسيادة والمصالح المشتركة للشعبين والبلدين.
- الالتزام بكل المواثيق والعهود الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والسعي في إطار الأمم المتحدة وبالتعاون مع المجتمع الدولي إلى بناء نظام عالمي أكثر عدالة، يقوم على مبادئ السلام والمصالح المشتركة، ودرء العدوان، وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، ومناهضة كل أشكال الإرهاب والعنف الموجه ضد المدنيين.
ان الموقعين على هذا البيان يعتقدون ان عملية التغيير قد بدأت وذلك لكونها ضرورة لا تحتمل التأخير لان البلاد بحاجة اليها وهي ليست موجهة ضد احد بل تحتاج الى جهود الجميع وهنا ندعو المواطنين البعثيين في وطننا والمواطنين من مختلف التيارات السياسية والثقافية والدينية والمذهبية الى المشاركة معنا وعدم التردد او التخوف لان التغيير المنشود هو في مصلحة الجميع ولا يخشاه الا المتورطون في الجرائم والفساد ويمكن تنظيم عملية التغيير على النحو التالي:
1. فتح قنوات الحوار الوطني الشامل والمنصف بين كل مكونات الشعب السوري وفئاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في كل المناطق وعلى الأسس التالية:
- ضرورة التغيير الجذري في البلاد، ورفض كل أشكال الإصلاح التجميلي أو الجزئي أو الالتفافي.
- العمل على وقف التدهور والانهيار والفوضى المحتملة التي يمكن أن تجلبها عقلية التعصب والانتقام والتطرف والاعتراض على التغيير الديمقراطي على البلاد.
- رفض التغيير الذي يأتي من الخارج، مع إدراكنا الكامل لحقيقة وموضوعية الارتباط بين الداخلي والخارجي في مختلف التطورات السياسية التي يشهدها عالمنا المعاصر، دون دفع البلاد نحو العزلة والمغامرات والمواقف غير المسؤولة، وحرصنا على صيانة استقلال البلاد وسلامة أراضيها.
2. تشجيع المبادرات الرامية إلى عودة المجتمع إلى السياسة، واستعادة اهتمام الناس بالشأن العام، وتفعيل المجتمع المدني.
3. تشكيل اللجان والمجالس والمنتديات والهيئات المختلفة محليا وفي كافة انحاء البلاد لتنظيم النشاط العام الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومساعدتها على القيام بدور مهم في تنمية الوعي الوطني والتنفيس عن الإحباطات وتوحيد الشعب حول أهداف التغيير.
4. التوافق الوطني الشامل على برنامج مشترك ومستقل لقوى المعارضة يرسم خطوات مرحلة التحول وملامح سوريا الديمقراطية المستقبلية.
5. إفساح المجال لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل القوى الطامحة للتغيير، بما في ذلك من يقبل ذلك من داخل النظام، لإقامة نظام وطني ديمقراطي يرتكز على التوافقات الواردة في هذا الإعلان، وعلى أساس تحالف وطني ديمقراطي واسع.
6. الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد يحبط المغامرين والمتطرفين، ويضمن فصل السلطات، ويصون استقلال القضاء، ويحقق التكامل الوطني من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة.
7. إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة تنتج نظاماً وطنياً كامل الشرعية يحكم البلاد وفقاً للدستور والقوانين النافذة، وعلى أساس رؤية الأغلبية السياسية وبرنامجها.
هذه خطوات عريضة لمشروع التغيير الديمقراطي كما نراه، والذي تحتاجه سورية ويتطلع إليه شعبها، وهو مفتوح لمشاركة كل القوى الوطنية من أحزاب سياسية وهيئات مدنية وأهلية وشخصيات سياسية وثقافية ومهنية، ويقبل التزاماتهم ومساهماتهم، وهو مفتوح للمراجعة من خلال زيادة جماعية العمل السياسي وقواه المجتمعية الفاعلة.
إننا نتعهد بالعمل على إنهاء مرحلة الاستبداد، ونعلن استعدادنا لتقديم التضحيات اللازمة في سبيل ذلك، والقيام بكل ما يلزم لتمكين عملية التغيير الديمقراطي من الانطلاق، وبناء سورية الحديثة، وطناً حراً لكل أبنائها، وصون حرية شعبها، وحماية الاستقلال الوطني".
.