ياسمين شهاب
في قلب التاريخ، تتجلى الحكايات التي تتجاوز الحدود وتُخلّد في الذاكرة الجمعية لشعوب صنعتها المواقف والمحن.
هكذا هي حكاية الأردن وفلسطين، رواية تمتد جذورها في عمق الأرض التي تنبض بروح واحدة رغم قسوة الجغرافيا وتبدل الأزمنة. ليست العلاقة بينهما مجرد تقارب جغرافي أو تعاطف سياسي؛ إنها علاقة تحمل في طياتها معاني أعمق من أن تختصرها الكلمات. هي التقاء الماضي بالحاضر، والألم بالأمل، والتحدي بالصمود.
الأردن: الحاضن الأبدي لجراح فلسطين.
منذ أول لحظة نزفت فيها الأرض الفلسطينية عام 1948، كانت الأردن أول من استقبل النازفين الذين تركوا خلفهم كل شيء إلا الكرامة. لم تكن القرى الأردنية مجرد محطات عبور، بل كانت حضنًا دافئًا امتزجت فيه الدماء والدموع. هنا، لم يكن اللاجئ غريبًا، ولم يشعر يومًا أنه مجرد عابر. فتح الأردنيون بيوتهم وقلوبهم، واستقبلوا الفلسطينيين كأبناء، فكانت المضافة الأردنية مضافة لكل فلسطيني، وكانت القرى الأردنية امتدادًا لقراهم التي فقدوها.
حين يمتزج النضال بالدم.
لم تكتفِ الأردن بأن تكون ملاذًا آمنًا، بل كانت شريكًا في النضال. اختلطت دماء الأردنيين والفلسطينيين على أسوار القدس وفي شوارع رام الله وجنين. في كل معركة دارت رحاها للدفاع عن الأرض والمقدسات، كانت البنادق الأردنية والفلسطينية تصدح بصوت واحد: "لن تمروا". وكانت الكوفية الفلسطينية تُحمل جنبًا إلى جنب مع السيف الأردني، رمزًا للوحدة التي لا تعرف الضعف.
الوحدة التي لا تذيبها المحن.
ورغم كل الضغوط التي حاولت أن تفرق بين الشعبين، بقيت القلوب موحدة. تجد في كل حي أردني أثرًا لفلسطين: الأحاديث التي تبدأ بالحنين ولا تنتهي، أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي يرددها الأردنيون وكأنها جزء من ذاكرتهم اليومية، ودموع الشيوخ الذين عاشوا النكبة وكأنها حدثت أمس. وبالمقابل، لم ينسَ الفلسطينيون أبدًا ما قدمه الأردن. تجدهم في كل مكان يذكرون هذا العطاء بشكر لا يُمحى، ويستمدون من مواقف الأردن شجاعة للصمود.
أردنٌ يحمل فلسطين في قلبه.
حين تتحدث القدس، يجيب الأردني: "لن نخذلك". حين يصرخ الأقصى طلبًا للنصرة، تأتي جيوش الدعم من كل مدينة وقرية أردنية. لم يكن هذا الدعم يومًا مجرد واجب سياسي أو دبلوماسي؛ بل كان نابعًا من إحساس شعبي جماعي، إحساس بأن فلسطين ليست قضية منفصلة، بل هي جزء لا يتجزأ من كرامة الأردن وهويته.
حكاية لا تكتبها السياسة، بل يخطها الإنسان.
لا يمكن حصر العلاقة بين الأردن وفلسطين في الأطر الرسمية. إنها علاقة تجد تجلياتها في التفاصيل الصغيرة: الطفل الأردني الذي يتبرع بمدخراته لدعم فلسطين، الأم الفلسطينية التي تروي لأبنائها عن الكرم الأردني، والطالب الأردني الذي يحمل الكوفية الفلسطينية يوم تخرجه كرمز للوفاء.
الأمل الذي لا يموت.
في كل تحدٍ تواجهه فلسطين، يُولد الأمل من رحم الألم. ومع كل أزمة، يقف الأردن ثابتًا كالصخرة، مستعدًا للدفاع عن القضية مهما كلفه ذلك. هذا الأمل ليس مجرد شعور عابر؛ إنه إيمان راسخ بأن الحق لا يموت، وبأن الوحدة بين الشعبين هي السبيل الوحيد للحرية والنصر.
اليوم، وفي ظل كل ما يمر به العالم، يبقى الأردن وفلسطين رمزًا للصمود.
صمود شعبين يواجهان الظلم، ويعاندان المستحيل، ويؤمنان بأن الغد يحمل نورًا لكل من تمسك بحقه. عندما يُكتب التاريخ من جديد، ستظل هذه الحكاية شاهدًا على أن الدم الذي امتزج يومًا لن تفرقه أي قوة.
في النهاية، لن تكون فلسطين أبدًا وحيدة، لأن في قلب الأردن مكانًا لا يمحوه الزمن، مكانًا لكل فلسطيني يحلم بالعودة، ولكل جريح ينزف ألم النكبة، ولكل طفل يحمل في عينيه صورة الوطن الذي لن يغيب. الأردن وفلسطين، شعب واحد، قضية واحدة، وأمل لا يموت.
قصيدة: الأردن وفلسطين، نبضٌ واحد"
يا أمَّةَ العُربِ في الأوطانِ مجدُكِما
قد جُبِّلَ الأرضُ من أحلامِ ماضِيكِما
الأردنُ الفخرُ من دمِّ الفداءِ بنى
والقدسُ حُبٌّ تجلَّى في أمانِيكِما
نهرُ الأردنِّ يُقبِّلُ ضفَّةَ الوَطنِ
ويُسكنُ القلبَ ما عانى أعاديكِما
دمٌ توحَّدَ من أرضِ الجليلِ إلى
رُبا الكرامةِ يشدو في أغانيكِما
يا موطِنَ الشَّمسِ، يا أرضَ البطولةِ يا
فلسطينُ نورًا أضاءَ في لياليكِما
كيفَ انفصامٌ؟ وكلٌّ في عروقِكِما
حُبٌّ تدفَّقَ كالنهرِ في مرافيكِما
الأردنُ السندُ، صخرٌ لا تزلزُلُهُ
ريحٌ تُزمجِرُ، مهما جارَ عاصيكِما
وفلسطينُ الجراحِ رغمَ ألمِها
تُهدي الصمودَ وتبقى من بَواديكِما
إن شُلَّتِ الأرضُ يومًا عن مرابِطِها
لن ينحني المجدُ عن فخرٍ يُحييكِما
هذا دمُ القدسِ في عمانَ يُشرقُ، إذ
ضفَّتُها الحبُّ من أعماقِ واديكِما
يا شعبَ أمَّتِنا، يا روحَ عزَّتِنا
ستبقَيانِ شموخًا في أمانيِكِما
ما ضرَّ نكبةَ قومٍ، لو توحَّدَكم
فالنصرُ يأتي إذا عزَّتْ أواصيكِما
الأردنُّ وفلسطينُ، مجدُنا أبدًا
نبضٌ توحَّدَ كالحِناءِ في يَديكِما
مهما الجراحُ ومهما الليلُ طوَّلَنا
الفجرُ يأتِي إذا شُدَّتْ أياديكِما
إهداء إلى الأردن وفلسطين
بقلم الكاتبة: ياسمين شهاب
إلى الأرض التي تنبض بالحياة رغم الجراح،
إلى الشعبين اللذين اجتمعا على المحبة والأمل،
إلى الأردن وفلسطين، تلك الروح الواحدة التي تتحدى كل الحدود.
إلى كل أم فلسطينية زرعت الصمود في قلب أبنائها،
وكل أب أردني فتح داره واحتضن الجرح بكرم النبيل.
إلى كل طفل رأى في القدس حلمًا،
وفي عمان سندًا، وفي المستقبل وعدًا لا ينكسر.
إن ما يجمعكما ليس حدودًا أو نهرًا أو جسرًا،
بل دماء الشهداء التي روت الأرض،
وأحلام الصغار التي رسمت الحرية،
وقلوب الكبار التي تؤمن أن الغد يحمل الفجر.
يا أبناء الكرامة والعزة،
أنتم الأمل الذي يضيء العتمة،
أنتم الحكاية التي تكتبها الإنسانية بمداد من نور.
إلى كل فلسطيني يتنفس الحرية كحق مقدس،
وإلى كل أردني يرى في دعم القضية واجبًا لا يتجزأ،
أقول لكم: قلوبنا معًا، وأحلامنا واحدة، ومستقبلنا مشترك.
هذا الإهداء ليس مجرد كلمات،
بل وعد بأننا لن ننحني ولن نيأس،
وسنبقى نرفع راية الحق،
لأن الحق لا يموت، والوحدة لا تهزم، والأمل لا ينطفئ.
إلى الأردن وفلسطين: معًا دائمًا، نبضًا واحدًا في جسد الأمة.
.