الأستاذ الدكتور فواز عبدالحق الزبون / رئيس الجامعة الهاشمية السابق
الحمد لله الذي اصطفى من عباده رجالًا يسيرون على درب العطاء، يزرعون الخير حيثما حلوا، ويتركون أثرًا طيبًا لا يزول، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، محمد بن عبد الله، النبي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد،
فهذا مقامٌ تنحني فيه الكلمات إجلالًا، وترتفع فيه المعاني توقيرًا، لرجلٍ جمع بين العلم والعمل، وبين القيادة والإنسانية، فأضحى عنوانًا للعطاء في ميادين مختلفة، ومثالًا يحتذى به في خدمة الوطن وأبنائه. نحن اليوم أمام سيرة رجلٍ ليس كغيره من الرجال، إنه معالي العين الدكتور ياسين محمد صايل الحسبان، الطبيب الإنسان، والقائد الملهم، الذي امتدت بصماته من قاعات الطب إلى صروح القيادة، ومن ميادين الإنسانية إلى فضاءات البناء المجتمعي.
ليس من الهيّن أن تُكتب سيرةُ رجلٍ سطّر بحياته فصولًا من العطاء الذي لا ينضب، فهي ليست مجرد مرويات عن إنجازاتٍ وألقاب، وإنما هي شواهد على مسيرةٍ عاشها بكل إخلاصٍ وتفانٍ. ومعالي الدكتور ياسين الحسبان هو مثالٌ حيٌّ للرجل الذي مزج بين العلم والفضيلة، وبين الفكر والعمل، ليُصبح علامةً مضيئة في تاريخ الأردن الحديث.
ولد الدكتور ياسين في بيئةٍ أردنية أصيلة، في محافظة المفرق، حيث تنشأ القلوب على حبّ الأرض والناس، فشبّ شابًا يحمل في صدره طموحًا كبيرًا. ارتحل في سبيل العلم، فحصل على شهادة البكالوريوس في طب الأسنان من جامعة إسطنبول عام 1969م، ثم تابع مسيرته العلمية العريقة، فحصل على ماجستير علم صناعة الأسنان من جامعة لندن عام 1976م، ثم شهادة الكفاءة الأمريكية للاختصاص العالي في صناعة الأسنان من جامعة ولاية نيويورك في بافلو عام 1983م.
هذه المسيرة العلمية أضاءت طريقه، لكنه لم يتوقف عند حدود التحصيل الأكاديمي، بل شقّ طريقه نحو ميادين العمل بخطى ثابتة. خدم طبيبًا في صفوف القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، حيث تفانى في خدمة أبناء الوطن، متنقلًا بين المستشفيات العسكرية مديرًا وقائدًا وإداريًا حكيمًا. فمن إدارة مستشفى الأمير علي بن الحسين في الكرك، إلى مستشفى الملكة علياء العسكري، وصولًا إلى إدارة مستشفى الحسين الطبية، ترك بصماتٍ لا تُنسى في تطوير الخدمات الصحية، واضعًا نصب عينيه راحة المرضى وجودة الخدمة الطبية.
إنّ الحديث عن معالي الدكتور الحسبان لا ينحصر في كونه طبيبًا بارعًا أو إداريًا محنكًا فحسب، بل يمتد ليشمل إنسانيته التي جعلته قريبًا من الجميع. فقد جسّد قيم الرحمة والعطاء، سواء في عمله كطبيبٍ، أو في مواقعه القيادية التي شغلها، من بينها منصب وزير الصحة، إذ قاد الوزارة برؤيةٍ شاملة، تُوازن بين التطوير المؤسسي والحرص على تلبية احتياجات المواطنين، فكان أبًا حانيًا على موظفي الوزارة، ومعلمًا يُلهمهم معاني التفاني والإخلاص.
لم يكن معالي الدكتور ياسين الحسبان يومًا شخصيةً تكتفي بالإنجاز المؤسسي، بل تجاوز ذلك إلى العمل الخيري والاجتماعي. فقد أنشأ مدرسةً في محافظة المفرق، سمّاها باسم والده، كوقفٍ تعليمي يُخلّد ذكرى هذا الأب الكريم، ويعكس وفاءه لقيم الأسرة وأصالة العشيرة. كذلك بنى دارًا لإيواء كبار السن، احترامًا وتقديرًا لدورهم في بناء الأجيال. كانت هذه الأعمال الخيرية نموذجًا يُحتذى في تحويل التبرع والوقف إلى أداةٍ للتنمية المجتمعية وخدمة الوطن.
ولا يخفى على ذي لبّ دوره البارز في الجامعة الهاشمية، التي يشغل فيها موقع رئيس مجلس أمنائها، وقد عملت معه عن قرب حين كنت رئيسا لها، فقد ساهم بفكره النيّر وقيادته الرشيدة في تعزيز مسيرة هذه الجامعة الوطنية، التي تحمل اسمًا محفورًا في القلوب. لقد عمل معالي الدكتور الحسبان –وما يزال- على تمكين الجامعة من تحقيق رسالتها، متيحًا لرؤسائها الاستقلالية والقوة في اتخاذ القرارات، الأمر الذي انعكس إيجابًا على مسيرتها الأكاديمية والإدارية.
إنّ سيرة معاليه مليئةٌ بالمواقف النبيلة والإنجازات الفريدة التي لا تسعها المجلدات، لكن أجمل ما فيها أنّها تنبض بروحٍ إنسانية صادقة. فهو الرجل الذي حمل بين جنبيه قلبًا كبيرًا، يفيض بالحب والوفاء لوطنه وأهله، وأعطى من وقته وجهده وفكره لخدمة الناس، حتى استحق أن يكون رمزًا وطنيًا، يُشار إليه بالبنان.
وإنّي إذ أخطّ هذه الكلمات، لا أجد فيها ما يفي هذا الرجل حقّه، ولا أزعم أنّي أحصيت كل مآثره، لكنّي أرجو أن أكون قد قدّمت شهادةً صادقة لرجلٍ عظيم، قلّما يجود بمثله الزمان. مواقف كبيرة كثيرة، وبصمات عطاء فريدة لم تتوقف، بل لم تزل مستمرة في مسيرة هذا الرجل الذي يستحق كلّ التقدير والاحترام، وأن تكون شخصيته البارزة والبطلة درسا في مناهجنا؛ لنعلم أبناءنا الطلبة حبّ الأردنيين لوطنهم وقيادتهم، وتفانيهم لخدمته، وبذلهم لأجله، ويصدق فيه قول الجواهري:
الطاهرون كأنّهم ماءُ السما * لم يلتصق درنٌ فيهم وعيوبُ
.