سارة طالب السهيل
في عصرنا الحالي، أصبح تدفق المعلومات السريع والمتنوع جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. بفضل التقدم التكنولوجي والاتصال المستمر، نعيش في بيئة غنية بالبيانات التي تصل إلينا بوتيرة غير مسبوقة. من خلال الهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة، نتلقى كميات هائلة من المعلومات يوميًا.

لكن مع هذه الوفرة، هناك آثار جانبية سلبية تؤثر على صحتنا النفسية والعقلية. كيف نتعامل مع هذا الزخم المعلوماتي؟ ما هي الآثار النفسية والعقلية لتلقي المعلومات بسرعة وتنوعها؟ وكيف يمكن أن تتأثر كل فئة عمرية بشكل مختلف بهذا التدفق المستمر؟

سأستعرض تأثير سرعة وتنوع المعلومات على الصحة النفسية والعقلية، وسعة المخ في معالجة هذا الكم الهائل من البيانات. كما سأتناول كيف يمكن أن تؤدي المعلومات غير الهادفة إلى تسطيح العقل وتقليل جودة التفكير.
وإدارة تدفق المعلومات في حياتنا اليومية للحفاظ على صحتنا النفسية والعقلية.

الضغوط النفسية والتوتر

عندما نتلقى المعلومات بسرعة، قد نشعر بالضغط والتوتر. هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى توتر عصبي، حيث تتسبب كميات المعلومات المتدفقة في زيادة مستويات القلق، مما يجعل الشخص يشعر بأنه مطالب بالتفاعل مع كل ما يُقال بشكل فوري، مما يؤدي إلى إرهاق ذهني. ومع تشتت الانتباه الناتج عن كثرة المعلومات، يصبح من الصعب التركيز على موضوع واحد، مما يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالإحباط وعدم القدرة على متابعة المناقشات بشكل فعال.

تأثير تنوع المعلومات

تقديم معلومات متنوعة ومتعددة في جلسة واحدة يمكن أن يكون له تأثيرات مزدوجة. التنقل بين مواضيع مختلفة بشكل سريع قد يتسبب في شعور بالإرهاق الذهني. يتطلب ذلك مجهودًا إضافيًا من العقل لتحليل وفهم كل موضوع، مما يثقل كاهل الدماغ. وقد يشعر الفرد بأنه مطالب بالمساهمة في المحادثة أو إبداء رأي في كل موضوع، مما يزيد من مستوى القلق والتوتر.

التأثيرات على الصحة النفسية

تتجلى تأثيرات سرعة وتنوع المعلومات في عدة جوانب من الصحة النفسية. إذا استمر الضغط الناتج عن تلقي المعلومات بسرعة، قد يؤدي ذلك إلى زيادة مستويات الاكتئاب والقلق، حيث يشعر الفرد بأنه غير قادر على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية. في بعض الأحيان، قد يؤدي التشتت الناتج عن المعلومات المتنوعة إلى شعور بالفقدان أو الانفصال عن المحادثة أو المجموعة، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية.

سعة المخ وتأثير الزخم المعلوماتي

إن قدرة المخ على استيعاب ومعالجة المعلومات ليست غير محدودة. وفقًا لعدة دراسات علمية، يمكن للمخ البشري استيعاب حوالي 2.5 بيتابايت من المعلومات، أي ما يعادل حوالي 3 ملايين ساعة من البرامج التلفزيونية. ومع ذلك، تتنافس هذه السعة المحدودة مع التدفق الهائل للبيانات التي نتلقاها يوميًا. عندما يكون هناك تدفق مستمر للمعلومات غير المهمة أو غير الهادفة، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى "تسطيح” العقل وتفريغه من المعلومات المهمة. المعلومات الزائدة بلا هدف تستحوذ على المساحة العقلية التي يمكن استخدامها للمعرفة الأكثر أهمية وفائدة، مما يؤدي إلى تقليل جودة التفكير والتركيز.

تأثير المعلومات على مختلف الأعمار

كل فئة عمرية تتأثر بتدفق المعلومات بشكل مختلف:

الأطفال والمراهقون

تكون عقولهم في مرحلة النمو والتطور، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للمعلومات الزائدة. قد يعانون من تشتت الانتباه وصعوبة التركيز، كما يمكن أن يؤثر ذلك على نموهم العقلي والعاطفي. وفقًا لدراسة نُشرت في "Pediatrics”، تعرض الأطفال والمراهقين للكم الهائل من المعلومات المتدفقة قد يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق لديهم.

البالغون

يواجه البالغون ضغوط الحياة اليومية، مثل العمل والأسرة، مما يزيد من تأثير المعلومات الزائدة عليهم. قد يعانون من الإرهاق الذهني والإجهاد، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاجية في العمل وزيادة مستويات القلق والاكتئاب. دراسة أجرتها "American Psychological Association” أشارت إلى أن البالغين الذين يتعرضون لمعلومات كثيرة وبسرعة يميلون إلى مستويات أعلى من التوتر.

كبار السن

قد يواجه كبار السن تحديات إضافية في معالجة المعلومات السريعة، مما يمكن أن يؤدي إلى شعورهم بالإرهاق والارتباك. قد يجدون صعوبة في التكيف مع التكنولوجيا الحديثة وتدفق المعلومات، مما يزيد من شعورهم بالعزلة والوحدة. دراسة نُشرت في "Journal of Geriatric Psychiatry” أظهرت أن كبار السن الذين يتعرضون لكمية كبيرة من المعلومات بسرعة يعانون من زيادة في مستويات القلق والتوتر، وقد يؤثر ذلك على ذاكرتهم وأداءهم العقلي.

تخيل نفسك جالسًا مع أصدقائك في المنزل أو في المدرسة، حيث يقوم أحدهم بطرح معلومات مختلفة ومتضاربة في فترة زمنية قصيرة. قد يبدأ الحديث عن قطة تائهة، ثم ينتقل فجأة للحديث عن جريمة قتل في أميركا، وبعدها يتحدث عن فيروس جديد قد يجتاح العالم، ثم يتطرق إلى فستان جميل معروض للبيع، ثم يختتم بالحديث عن أخبار سياسية في المنطقة، يليها فيديو لأطفال غزة، ثم وصفة طعام لذيذة. كيف سيكون رد فعلك في مثل هذه الحالة؟

هل ستستوعب كل هذه المعلومات؟ هل ستتقبلها كما هو الحال عندما تشاهد الفيديوهات المتتالية على وسائل التواصل الاجتماعي؟ في الحقيقة، قد يكون من الصعب جدًا استيعاب هذا الكم من المعلومات المتنوعة في وقت قصير. بينما يمكن أن تكون مشاهدة الفيديوهات المتتالية أكثر انسيابية، حيث يكون لكل فيديو موضوع محدد ومحتوى مرئي يجذب الانتباه، فإن الحديث المباشر مع الأصدقاء قد يكون أكثر إرهاقًا.

التأثيرات على النشاط الكهربائي للدماغ

عندما يتعرض الدماغ لمعلومات متضاربة وسريعة، فإن ذلك يؤثر على نظامه الكهربائي. يبدأ الدماغ في العمل بشكل مضاعف، حيث يحاول معالجة كل هذه المعلومات، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الكهربائي في خلاياه. لكن مع مرور الوقت، قد يصبح هذا الأمر مرهقًا، مما يؤدي إلى تشتت الانتباه وصعوبة التركيز. قد تشعر بالقلق والتوتر، وقد تتساءل إذا كنت ستتمكن من تذكر أي من هذه المعلومات بعد انتهاء الجلسة.

أظهرت الدراسات أن التعرض المستمر لتدفق سريع من المعلومات يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، فإن الأشخاص الذين يتعرضون لمعلومات متعددة في وقت واحد يعانون من زيادة في مستويات الكورتيزول، وهو هرمون مرتبط بالإجهاد. كما أشارت دراسة أخرى نُشرت في مجلة "Journal of Experimental Psychology” إلى أن التنقل المستمر بين المهام يمكن أن يؤثر سلبًا على الذاكرة والأداء العقلي.

الاستجابة الفورية والضغط النفسي

إذا كنت في موقف مثل هذا، هل ستستمر في الاستماع أم ستشعر بأنك بحاجة للهروب أو حتى الصراخ؟ قد يشعر البعض بانهيار عصبي نتيجة لهذا التشتت المعلوماتي، حيث يصبح من الصعب التمييز بين ما هو مهم وما هو غير مهم. هذا الضغط المتزايد يمكن أن يؤدي إلى مشاعر القلق والاكتئاب، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية.

استراتيجيات للتعامل مع التدفق السريع للمعلومات

تتطلب هذه الحالة استجابة فورية من الدماغ، مما يعني أن هناك حاجة إلى استراتيجيات للتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات. قد يكون من المفيد أخذ فترات راحة قصيرة، أو حتى تغيير الموضوع بشكل تدريجي، مما يساعد على تقليل الضغط وتحسين القدرة على الاستيعاب.

إن العيش في زمن تتسارع فيه المعلومات بشكل غير مسبوق يؤثر على صحتنا النفسية والعقلية، فعلينا ان نتعلم كيفية إدارة هذه التدفقات بشكل فعّال. لذا، في الجلسات مع الأصدقاء أو في أي بيئة تعليمية، يجب أن نكون واعين لتأثير المعلومات على عقولنا، وأن نبحث عن طرق للتقليل من الضغط الناتج عنها.
وربما أول خطوة هي
تحديد وقت محدد لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعد في منع الإفراط في استخدامها.

تنظيم مصادر المعلومات: قُم بتصفية ومتابعة المصادر التي تقدم معلومات موثوقة وذات قيمة فقط.

التدريب على التركيز: ممارسة تمارين التركيز الذهني مثل التأمل يمكن أن تساعد في تحسين القدرة على التعامل مع تدفق المعلومات.

تقليل التنبيهات والإشعارات: إيقاف تشغيل التنبيهات غير الضرورية يساعد في تقليل التدفق المستمر للمعلومات.

تخصيص وقت للراحة والانعزال: أخذ فترات راحة منتظمة بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعد في تقليل الضغط وتحسين الصحة العقلية.

ممارسة الأنشطة البدنية: ممارسة الرياضة بانتظام يمكن أن تساعد في تخفيف التوتر وتحسين الصحة النفسية.

تحديد الأهداف: تحديد أهداف واضحة لما تريد تحقيقه من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعد في منع التشتت وضياع الوقت.

الاستفادة من التطبيقات المساعدة: استخدام تطبيقات مثل "Moment” و "StayFocusd” يمكن أن يساعد في إدارة الوقت وتقليل الاستخدام الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي.

كما أننا ، يجب أن نكون واعين لتأثير تدفق المعلومات على صحتنا النفسية والعقلية، ونسعى جاهدين لإدارة هذا التدفق بطرق فعّالة للحفاظ على توازننا النفسي.
.