الأمة والابتلاء والتاريخ ...
القلعة نيوز
وقد تظن أن الإبتلاءات صبت صبا على الشعوب العربية والمسلمة السوري والفلسطيني والعراق واليمن وتركيا وغيرها. ولكن الحقيقة أن هناك سنن في الأرض لا تحابي أحداً، وإن قمت بتكرار الفعل ألف مرة ستكون النتيجة واحدة لن تتغير، مهما ظننت أنها ستتغير فإن ظنك لا يغني من الحق شيئا وهي لن تتغير.
هل تقصد أن الشعوب هي السبب فيما وقع لها وأنها المسؤولة عن هذه النتائج ؟
وإن كنت أفرّ من هذه الإجابة إلى سنة من سنن الله هي إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإن كانت هذه الإجابة لا تحمل القول بالتأكيد ولا النفي، لأننا لا نستطيع الجزم بذلك، ولكن ما أدين به أن الأخطاء المقصودة والغير المقصودة في فهم السنن وتطبيقها تؤثر على المجتمع، وتدفع المجتمعات ثمنا لهذه الأخطاء، لأن من سمات السنن أنها تتداخل وتؤثر بعضها على بعض، وما أريد الوصول إليه هنا هو أن من السنن أن نعد القوة وأن تكون القوة جاهزة لدفع التدافع بين البشر، فمن السنن التدافع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) فعند فهم هذه السنة لا بد من إعداد القوة، وهنا لا تكون القوة هي قوة عسكرية فقط، لأن الكثير من المجتمعات سقطت بسبب الوهن والضعف الداخلي.
هل السنن مذكورة في كتاب الله عز وجل، وهل لها علاقة بفهم الفلسفة وعلم الإجتماع؟
للأسف نعم وأقول للأسف لأننا نحن المسلمون خاصة في هذا الزمان لا نقرأ كتاب الله جيدا ولا نقرأ التاريخ ولا ندرس علم الإجتماع على أنه علم ، بل هو منهاج مدرسي ممل يدرس في المدارس ، وإن تم تغيير إسمه مرات عديدة لمنحه قليل من الجاذبية ، ورغم ذلك يكاد يختفي أيضا من الجامعات ، ناهيك عن التعمق في دراسة الفلسفة فهي مرتبطة من نواحي كثيرة بفهم العقل البشري وطبيعته وطبيعة تصرفه وعلم الإجتماع ، والبعض ما زال يصنفها على انها كفر وإعراض عن الدين ، وإن كنت أتبنى هذا الرأي سابقا ، ولكن إتضح لي أنها من أبواب الدين العريضة ، التي قد تساهم بشكل أو أخر في جعلنا نفهم كلمات الله وآياته وسننه في كتابه بصورة منهجية قابلة للتطبيق ، وإن كانت الفلسفة تحمل سلبياتها أيضا ، ولكن إذا كانت ستحرر العقل العربي الذي يعاني من نفس الأعراض مع العقل المسلم ، وتحررهما معا مما وقعا فيه من السلبية والإتكالية والعجز ، فلم لا نطرق بابها علّ وعسى تنهض هذه الأمة.
هل يتبع عدم فهم السنن وتطبيقها أثار مدمرة؟
نعم هناك دمار يتبع الفسق والظلم والفساد في الأرض ولكن أي نوع هو هذا الدمار ، هل هو دمار كوني أم دمار إجتماعي أم ماذا ، وهل تتفق سنن الله على الدمار الكوني ، أم أن هناك أمثلة من قبيل الصيحة والتفريق والإبعاد والتمزيق كل ممزق ، وكيف لنا أن نعرف بأن زلزال حدث هنا أو بركان هناك هو سنة كونية أم بلاء أم إبتلاء ، إذا لم يكن هناك نص واضح من قبيل ما حدث لقوم عاد وقوم لوط وغيرهم ، لن نستطيع أن نعرف ولكن السنن الكونية محكومة بعلم فهي مسببات ونتائج وهناك ترابط واضح لأهل العلم والإختصاص.
قوانين الله لن تظلم أمة ولن تكون خاصة بأحد، عادلة، ثابتة، مطردة، عبرة لمن يعتبر ، ولكن هل هذا معناه أن ما حدث في المنطقة هو من ضمن السنن ؟
السنن الكونية أكيد ولكن السنن الإجتماعية لا أتفق مع من ذهب في هذا الإتجاه، فهذه السنة كونية وليست إجتماعية.
وهل هناك سنن كونية وأخرى إجتماعية؟
نعم السنن الكونية هي الزلازل والبراكين، وهو من قبيل خسوف الشمس، فهي لا تعرف أبن نبي أو غيره، ولا تنكسف لموت أحد ولا لحياته.، اما الإجتماعية فهي الآثار واجبة التحقق نتيجة لافعال قام بها البشر، وهي مدار البحث والفهم في الفعل وأثره، حتى نتجنب وقوع الأمة فيما وقعت فيه الأيام.
ولكن كيف يتفق هذا مع قوله تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )، وهل السنن الإجتماعية غير محكومة بسنن وهي ليست علم وهي مسببات ونتائج ؟
المعنى قد يكون الضعف الداخلي أكثر وأكبر مؤثر في إنهيار الحضارة أو المجتمع، وهناك أمثلة عديدة تعاونت فيها فئات كبيرة من المجتمعات مع المحتلين، وسعت لإسقاط دولها لأسباب مختلفة، وإن كانت هذه الإسباب أيضا من السنن، فالعدل والمساواة والظلم والتسلط والترف الإسراف والتطاول على العباد وسلب الحريات بغير حق كل ذلك يجب أخذه في الإعتبار عند دراسة سبب سقوط هذه الحضارة أو المجتمع أو ذلك، فعند سقوط دولة أو حضارة ولنأخذ مثلا الحكم العثماني الذي أثر على كل المنطقة وما نراه اليوم هو من نتائج هذا السقوط.
وأنا أميل الى الرأي الذي يتحفظ على تسمية الحكم العثماني في أواخر أيامه بالخلافة، لأن سمة الخلافة زالت عنه منذ زمن طويل، ولكن هذا الحكم أتسم بالكثير من أسباب زواله في نهاية مدته، فساد وتطاول وظلم وسلب للحريات، وتجاوز على أموال الناس وأعراضهم. وفرض الكثير من الضرائب والمكوس، والكثير من القادة والحكام الذين ساهموا بخلق جو من العداء من خلال تصرفاتهم وظلمهم وتسلطهم على العباد، ولذلك كان هناك جو عام من عدم القبول لهذا الحكم. وكان من السهل على المستعمر الإنجليزي التجيش ضدهم، وإن كان ما أتى به هو نتيجة أسوء للأسف، ولأنه كان هناك الكثير من الأعداء من الداخل، وهم على إستعداد للتعاون في سبيل التخلص من هذا الحكم، سقط هذا الحكم.
وهذا ليس تقيما للدولة العثمانية، ولكن فهما لطبيعة العلاقة ومكامن القوة والضعف وهو فهم للسنة، وما أريد الوصول إليه أن السقوط في الحقيقة كما الصعود يحمل أسبابه، وليس من السهل إسقاط دولة أو مجتمع أو حضارة، إذا كانت حريصة على فهم السنن وتطبيقها لإنها بصورة ما تكون أكثر تحصينا، وهذا لا يعني أن هناك حضارة محصنة بشكل مطلق، لأن دورات التاريخ تعلن بشكل مطلق أن الحضارات لها دورات، وإن كانت تطول وتقصر زمنيا بحسب الفهم والتطبيق، والإستعداد للتعلم والتطور والإستفادة من إخطائها، ولكن البشر بشكل عام من سننهم أنهم ينسون السنن، ويغفلون عن تطبيقها بعد فترة من العيش الرغيد والحكم السعيد، وهذا يوقع الحكام والحضارات والدول والشعوب في دائرة الحضارة من الصعود إلى الهبوط.
وهل هناك مجموعات مختلفة من السنن ؟
نعم هناك سنن كونية مثل الخسوف والزلازل، وهناك سنن إجتماعية سيادة العدل، وزوال الظالمين، والمترفين والفاسقين، وهناك سنن فردية تتعلق بالإنسان، من حيث كونه إنسانا وأسباب نجاحه وفشله، وهناك مطالبة واضحة من الخالق بالسير في الأرض والتفكر والنظر والإعتبار، حتى لا يكون الإنسان متعظا بنفسه بل متعظا بغيره، وإلا إتعظ بنفسه للأسف.
وهذه السنن هل تشمل الكثير من نواحي الحياة ؟
من هذه السنن الإستخلاف والمداولة والتدافع والإستدراج والإختلاف والتغيير والحفظ والتدرج وحتمية التصادم والإصطفاء وإهلاك المسرفين وسلب النعم بالذنوب، وهذا غيض من فيض .
فهذا الموضوع مع خطورته وإرتباطه المباشر بالصعود والهبوط للحضارات والدول، إلا أن إهتمامنا به كشرقيين ما زال محدودا جدا، وعلى العكس تماما فإن الغرب يتعامل مع هذه السنن بالدراسة والدراية والتدريب، على كافة الإصعدة من الطلبة في المدارس وحتى الساسة في الحياة العامة، وإن كان هذا التعامل يقتصر في كثير من النواحي، على ما يعود عليهم هم بالفائدة، حتى لو كان غيرهم من يدفع الثمن، ولا يحرصون على العدل والمساواة في التعامل بل على المكسب والربح الذاتي، ولذلك فسقوطهم من السنن، ولكن لن يسقطوا إلا إذا كانت هناك حضارة تستعد وتعمل وتسعى حتى توفر من السنن ما يصنع نجاحها.
وهذه محاولة للفهم واسأل الله السداد.
إبراهيم أبو حويله
.