بقلم ابراهيم السيوف: لم تكن زيارة الملك عبدالله الثاني إلى البيت الأبيض مجرد لقاء رسمي عابر، ولم يكن الاجتماع مع ترامب مجرد حديث دبلوماسي مجامل. لقد كان لقاءً بين قائد عربي يعرف معنى السيادة، ورئيس أمريكي يحاول فرض رؤية تتجاهل التاريخ والجغرافيا والهوية. وبين الوهم والحقيقة، وقف الملك كعادته، صلبًا كالجبال، واضحًا كالشمس، ليقول كلمته بلا تردد أو مواربة: “الأردن لا يبيع، ولا يُباع، ولا يركع!” ترامب، كعادته، دخل اللقاء بفكرة غريبة، خطة صيغت خلف الأبواب المغلقة، تُحاك كأنها قدر لا مفر منه. أراد تفريغ غزة، أراد تهجير شعبها، أراد أن يكون الأردن طرفًا في هذه الجريمة التاريخية. يتحدث كأن المنطقة ورقة في ملف، كأن الفلسطينيين مجرد أرقام يمكن شطبها، وكأن الأردن دولة تنتظر الأوامر والتعليمات. لكن من يجهل الأردن، فليقرأ تاريخه جيدًا! حين طرح ترامب فكرته، لم يحتج الملك إلى كثير من الكلمات، لأن الحقيقة لا تحتاج إلى زخرفة. كان الرد واضحًا وقاطعًا: “لن يكون الأردن شريكًا في أي مؤامرة على فلسطين، ولن يكون ملاذًا لأي مخطط يمس هويتها، ولن يوافق يومًا على إعادة رسم الخرائط وفقًا لأوهام القوة!” من أراد أن يصدّق أن القضية الفلسطينية تُحل بالترحيل، فليبحث عن سذاجة أخرى يبيعها لنفسه، أما الأردن، فموقفه ثابت كالصخر، لا تهزه العواصف ولا تغيّره الضغوط. الأردن لا يفاوض على ثوابته، ولا يساوم على حقوق الشعوب. نحن دولة لم نُخلق بالأمس، ولم نبنَ بالمساومات، ولم نعتد الرضوخ للضغوط. من يعتقد أن المساعدات تمنح أحدًا حق الوصاية علينا، فليحتفظ بمساعداته لنفسه، ومن يظن أن الأردن يساوم على قضايا الأمة، فليعد إلى كتب التاريخ، ليدرك أننا كنا هنا قبل أن يُولد كثيرون، وسنبقى هنا بعد أن يرحل...