بقلم:  عوني الرجوب


في خضم التوترات العالمية المتصاعدة والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، يظهر في الأفق شبح حرب نووية قد تكون الأعنف والأكثر دمارًا في تاريخ البشرية. 

هذه الحرب، إن وقعت، ستكون بلا شك كارثة تعصف بالعالم أجمع، ولن تستثني أي طرف، خصوصًا في منطقتنا العربية، التي أصبحت ساحة مفتوحة للصراعات الدولية ومرتعًا للقواعد العسكرية الأمريكية.

 *العقيدة النووية المحدثة: دوافع وخطورة*

العقيدة النووية المحدثة لدول كبرى، وعلى رأسها روسيا، تؤكد على توسيع مفهوم الردع النووي ليشمل ليس فقط الدول النووية، بل أيضًا الدول التي تستضيف قواعد عسكرية أو تستخدم أراضيها كمنصات لتحركات عدائية. وبموجب هذه العقيدة

نستنتج
1.⁠ ⁠*ردع شامل وموسع:* يتم توجيه الردع النووي ضد دول منفردة أو تحالفات عسكرية، سواء كانت نووية أو غير نووية، إذا ما شاركت في أي عمل عدائي.

2.⁠ ⁠*اعتبار العدوان على الحلفاء عدوانًا مشتركًا:* أي هجوم على روسيا أو حلفائها يُعتبر هجومًا على كامل التحالف الروسي.

3.⁠ ⁠*الانتقام الحتمي:* الردع يهدف إلى إيصال رسالة واضحة بأن أي عدوان سيقابل بانتقام مدمر.

4.⁠ ⁠*توسيع نطاق الرد:* استخدام أراضٍ أو أجواء أو مياه إقليمية لتحضير اعتداء على روسيا يمكن أن يُعد مبررًا لضربة نووية.

هذه العقيدة ليست مجرد كلمات على ورق، بل هي سياسة تعكس استعداد القوى الكبرى للتصعيد إذا ما شعرت بتهديد وجودي. ومع استمرار النزاعات الجيوسياسية، تصبح فرص اندلاع مواجهة نووية أكثر واقعية من أي وقت مضى.

*ما يحاك للعالم: أسباب ودوافع الحرب النووية*

لا يمكن فصل الحديث عن احتمالية الحرب النووية عن المصالح الجيوسياسية والاقتصادية التي تحرك الدول الكبرى. هناك عوامل رئيسية قد تكون المحرك لهذه الكارثة المحتملة:
ومنها

1.⁠ ⁠*الصراع على النفوذ العالمي:* تعيش القوى العظمى حالة صراع مستمر على إعادة رسم خارطة النفوذ، خصوصًا بين الولايات المتحدة وروسيا، مع دخول الصين كلاعب أساسي في الساحة.

2.⁠ ⁠*التوسع العسكري الغربي:* انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق استراتيجية، بما فيها الدول العربية، يشكل تهديدًا مباشرًا لدول مثل روسيا، التي تعتبر هذه القواعد أهدافًا مشروعة في أي مواجهة.

3.⁠ ⁠*سباق التسلح:* العودة إلى سباق التسلح النووي، مدفوعة بالخوف من تفوق عسكري محتمل للطرف الآخر.

4.⁠ ⁠*النزاعات الإقليمية:* النزاعات في سوريا وأوكرانيا وقضية تايوان تفتح المجال لتصعيد عالمي قد ينزلق بسهولة إلى مواجهة نووية.

 *الأضرار الكارثية للحرب النووية*

الحرب النووية ليست مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هي كارثة إنسانية وبيئية شاملة، لن تقتصر آثارها على الأطراف المشاركة فيها فقط. ومن أبرز الأضرار:

1.⁠ ⁠*الدمار الشامل:* الانفجارات النووية ستسوي مدنًا بأكملها بالأرض، مع خسائر بشرية بالملايين.
2.⁠ ⁠*الكارثة البيئية:* الغبار النووي والإشعاعات سيؤديان إلى تغيرات مناخية كارثية، بما في ذلك شتاء نووي قد يدوم لسنوات.
3.⁠ ⁠*انهيار الاقتصاد العالمي:* توقف حركة التجارة والإنتاج، وانهيار سلاسل الإمداد، وارتفاع معدلات الجوع والفقر على مستوى العالم.
4.⁠ ⁠*تهديد وجودي للدول العربية:* الدول التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية ستكون أهدافًا رئيسية لأي ضربة انتقامية، ما يعرض شعوبها لدمار شامل.

 *الدول العربية في قلب العاصفة*

الدول العربية، التي تستضيف العديد من القواعد العسكرية الأمريكية، تقف على خط النار في أي مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا. القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج وسوريا وغيرها من المناطق ستتحول إلى أهداف مباشرة للرد الروسي إذا ما اندلعت الحرب. 

هذا الواقع يضع الدول العربية في موقف حرج؛ فهي من جهة تحاول الحفاظ على علاقاتها مع القوى الكبرى، ومن جهة أخرى تواجه خطرًا وجوديًا إذا ما اشتعل فتيل الحرب النووية. 

 *هل من مخرج؟*

مع إدراكنا لحجم الخطر، تصبح الحاجة إلى العمل الدبلوماسي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. العالم بحاجة إلى إعادة النظر في سياسات الردع النووي واللجوء إلى الحوار بدلًا من التصعيد. والدول العربية، بحكم موقعها الاستراتيجي، يجب أن تدفع باتجاه مبادرات سلام إقليمية ودولية لتجنب تحولها إلى ساحة حرب.

الحرب النووية ليست مجرد سيناريو مستقبلي، بل هي خطر يزداد قربًا مع استمرار التوترات العالمية. على الجميع، قادة وشعوبًا، أن يدركوا أن السبيل الوحيد لتجنب هذه الكارثة هو العمل المشترك لتحقيق السلام والاستقرار. أما إذا استمر التصعيد الحالي، فإن التاريخ سيكتب هذه الحقبة كأعظم فشل للبشرية في الحفاظ على بقائها. 

اللهم احفظ أوطاننا وأبعد عن العالم شبح هذه الحرب.

.