كتب أ. د محمد تركي بني سلامة - 

إن اتهام أعضاء في مجلس النواب بالخيانة يُعد من أخطر التهم التي يمكن توجيهها إلى ممثلي الشعب، لما تحمله من إساءة جسيمة لا تقتصر على الأفراد المعنيين فحسب، بل تمتد لتطال قواعدهم الانتخابية وكل من منحهم الثقة لتمثيلهم تحت قبة البرلمان. هذه التهم، التي تضرب في صميم الشرف والمصداقية، ليست مجرد كلمات عابرة، بل تصرفات تتعارض مع مبادئ دولة القانون والمؤسسات، التي يجب أن تكون الحَكَم الأعلى في مثل هذه القضايا الحساسة.

في أي نظام ديمقراطي، يُعد الالتزام بالقانون وتطبيقه على الجميع، دون استثناء أو تمييز، حجر الزاوية لبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات. الاتهامات بالخيانة، إن كانت صحيحة، تحتاج إلى أدلة قاطعة وإجراءات قانونية عادلة، تضمن محاسبة المخطئين دون المساس بمبادئ العدالة أو تشويه سمعة البرلمان. أما إذا كانت هذه الاتهامات تُطلق جزافًا ودون إثبات، فهي تُعد انتهاكًا صارخًا لهيبة المجلس وإضرارًا كبيرًا بثقة الشعب بممثليه.

إن الحفاظ على صورة البرلمان وهيبته يبدأ من التزام جميع أعضائه بالسلوكيات المهنية والقانونية التي تحترم الدور التشريعي والرقابي الموكول إليهم. عندما يتحول البرلمان إلى ساحة للتراشق بالتهم والإهانات، فإن ذلك يُضعف دوره ويُفقده مصداقيته أمام الشعب .

من المؤسف أن تُظهر بعض المواقف ازدواجية واضحة في تطبيق القانون على أعضاء المجلس. ففي حالات سابقة، شهدنا تطبيقًا صارمًا للإجراءات بحق بعض النواب بسبب تصريحات أو تصرفات اعتُبرت مسيئة. في المقابل، نجد تجاهلًا أو تهاونًا في التعامل مع تصرفات مشابهة أو حتى أكثر خطورة من قِبل آخرين. هذه الازدواجية لا تُضعف فقط من ثقة الشعب بمؤسساته، بل تثير تساؤلات حول معايير العدالة والنزاهة التي يُفترض أن تسود في دولة القانون.

إن السماح لأي نائب، مهما كان موقعه أو شعبيته، بإطلاق اتهامات خطيرة مثل "الخيانة" دون مساءلة، يُعد ضربًا من الفوضى التي تسيء إلى سمعة البرلمان والديمقراطية الأردنية بأكملها. إذا كان هناك خرق فعلي للأمانة من قبل أي نائب تجاه من انتخبوه، فإن الآلية السليمة للتعامل معه هي من خلال القنوات القانونية واللجان المختصة، التي تضمن التحقيق النزيه واتخاذ القرار العادل بعيدًا عن التشهير العلني.

إن الحفاظ على هيبة البرلمان وصورته الإيجابية أمام الشعب مسؤولية جماعية تقع على عاتق جميع أعضائه. يجب أن يدرك كل نائب أن الألفاظ والاتهامات التي يطلقها لا تعبر فقط عن رأيه الشخصي، بل تعكس مستوى احترامه لمؤسسته وللشعب الذي انتخبه. إن الانزلاق في خطابات التخوين والإهانة لا يخدم سوى مصالح شخصية ضيقة، ويؤدي إلى تعميق الفجوة بين الشعب وممثليه.

على رئيس مجلس النواب أن يتحمل مسؤوليته في تفعيل النظام الداخلي ومساءلة أي نائب يخرج عن الأعراف والقوانين المنظمة لعمل المجلس. إحالة النائب الذي يسيء إلى زملائه أو قواعده الانتخابية إلى لجنة السلوك ليست خيارًا، بل واجب يهدف إلى حماية سمعة البرلمان وضمان احترام القواعد الأخلاقية والقانونية.

إن بناء دولة القانون والمؤسسات يتطلب التزام الجميع، دون استثناء، بتطبيق القانون واحترامه. لا يمكن أن يكون هناك مجال للانتقائية أو الازدواجية في المحاسبة، سواء تعلق الأمر بنائب تحت القبة أو بأي مواطن آخر. البرلمان، كمؤسسة تمثل إرادة الشعب، يجب أن يكون قدوة في احترام القانون والاحتكام إلى العدالة.

على الجميع أن يدرك أن الحفاظ على الديمقراطية واحترام مؤسساتها يتطلبان تجاوز الحسابات الشخصية والعمل على تعزيز الثقة المتبادلة بين المواطن وممثليه. وفي النهاية، فإن المساءلة العادلة هي الطريق الوحيد لضمان الاستقرار وتعزيز هيبة البرلمان، كمؤسسة تمثل نبض الشعب وطموحاته.

ازدواجية تطبيق القانون تُعد خطرًا حقيقيًا يهدد العدالة ويُضعف من هيبة المؤسسات. من المؤسف أن تُظهر بعض المواقف تمييزًا واضحًا في التعامل مع تجاوزات أعضاء المجلس، حيث يُطبق القانون بصرامة على بعضهم بينما يُغض الطرف عن آخرين. هذا التفاوت في التعامل مع القضايا لا يُسهم فقط في إضعاف الثقة بمجلس النواب، بل يثير تساؤلات مشروعة حول معايير العدالة والمساواة التي يجب أن تُرسخ في دولة القانون. إن السماح لأي نائب بإطلاق اتهامات خطيرة مثل الخيانة دون مواجهة العواقب القانونية يُشكل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام مزيد من الفوضى.

إن رئيس مجلس النواب يتحمل مسؤولية كبرى في حماية هيبة المجلس وضمان احترام أعضائه للنظام الداخلي واللوائح السلوكية. إحالة النائب الذي يسيء إلى زملائه أو يتجاوز حدوده إلى لجنة السلوك ليست خيارًا، بل واجب أخلاقي وقانوني لضمان استمرارية العمل النيابي في إطار من الاحترام المتبادل والالتزام بالقوانين.

الدستور الأردني منح الركن النيابي أهمية بالغة، حيث نص بوضوح على أن نظام الحكم في البلاد نيابي ملكي وراثي، مقدمًا النظام النيابي على غيره. هذا يعكس قدسية الدور البرلماني وأهميته في حماية الديمقراطية وتحقيق العدالة. الحفاظ على مكانة مجلس النواب وكافة المؤسسات في البلاد ليس مجرد ضرورة سياسية، بل هو واجب وطني لضمان تحقيق المصلحة العليا للوطن واستقراره. احترام القانون وتطبيقه على الجميع هو الضمانة الحقيقية لبناء الثقة بين المواطن ومؤسساته وترسيخ قيم العدالة والمساواة.
.