ادى ازدهار التجارة الإلكترونية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الى فتح آفاقًا جديدة لغسيل الأموال الإلكتروني، وهو تهديد ناشئ ينطوي على نقاط ضعف كبيرة فيما يتعلق بالنظام المالي وأمن المنطقة المالي بشكل عام. فمن خلال استغلال شهرة المؤثرين، يتمكن مجرمي غسيل الاموال من إخفاء مصادر الأموال غير المشروعة وضخها في الاقتصاد الرسمي.

ومن اكبر الامثلة على ذلك قضية منصة "بوتيكات" للتجارة الإلكترونية التي برزت في الكويت عام 2020 كمثال واضح لهذه الظاهرة. فالمنصة تتيح للمؤثرين إنشاء متاجر افتراضية وعرض السلع فيها، دون وجود مصادر دخل يمكن تتبعها.

ويمكن للمجرمين في مخططات غسل الأموال استغلال المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق متعددة. تشمل هذه الطرق الترويج للمنتجات والشراكات التجارية، حيث يتم إخفاء أثر الأموال غير المشروعة من خلال دفع مبالغ مالية للمؤثرين للترويج لسلع أو خدمات مرتبطة بأنشطة غير قانونية، مثل عمليات الاحتيال في العملات المشفرة أو الاستثمارات الوهمية.

وهناك طريقة أخرى وهي التضخيم المصطنع لقيم المنتجات، حيث يقوم المجرمون بشراء سلع مرتفعة القيمة عبر المؤثرين لرفع قيمتها بشكل مصطنع، مما يساهم في غسل الأموال. بالإضافة إلى ذلك، توجد ملكية خفية، حيث يكون المؤثر وكيلًا لصالح منظمات إجرامية، ويمتلك شركات أو أصولًا ممولة من هذه العائدات غير القانونية.

قناة أخرى تُستخدم في عمليات غسيل الأموال عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي التداول الاجتماعي والعملات الرقمية، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال مخططات "الضخ والتفريغ". حيث يتم دفع الأموال للمؤثرين للترويج لأنواع معينة من العملات الرقمية بهدف رفع قيمتها بشكل مصطنع. وعند وصول السعر إلى أعلى مستوياته، يبيع المجرمون ممتلكاتهم ويختفون، مما يترك المستثمرين يواجهون خسائر فادحة.

تكتيك آخر يتم استخدامه هو التصيد المالي، حيث يتم توظيف المؤثرين لجمع وتحويل الأموال غير المشروعة من خلال منصات تبادل العملات الرقمية أو وسائل دفع رقمية أخرى.

الطريقة الاكثر رواجا تتعلق بـ الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية.يقوم المؤثرون بالترويج لمنظمات خيرية زائفة أو جمع التبرعات لدعم قضايا انسانية. وفي بعض الأحيان، يتم جمع التبرعات تحت اسم العمل الخيري، لكنها توزع على جماعات إجرامية كوسيلة ظاهرية لتوزيع الأموال على أنشطة خيرية مشروعة.

لا يزال من الصعب تحديد حجم الأموال التي تُغسل عبر المؤثرين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أفضل التقديرات تشير إلى أن الحجم كبير. لذلك، من الضروري أن تتخذ وكالات تنفيذ القانون والهيئات التنظيمية للانشطة المالية إجراءات ملموسة واستباقية للكشف عن أنشطة غسل الأموال ومنعها من خلال المؤثرين الذين يستخدمون هذه الأساليب المتعددة.

فيجب على المؤسسات المالية تنفيذ إجراءات العناية الواجبة اللازمة تجاه المؤثرين، بما في ذلك التحقق من الهوية، ومصادر الدخل، والأنشطة التجارية. كما يجب على منصات التواصل الاجتماعي تطبيق عمليات تحقق أكثر دقة، خاصة عند قبول المؤثرين الذين يتعاملون مع المنتجات أو الخدمات المالية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام قدرات التحليل المتقدم لمراقبة السلوكيات المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الزيادات المفاجئة في الثروة، أو عادات الإنفاق غير المعتادة، أو الترويج لمنتجات وخدمات مجهولة أو مشبوهة.

كما تساهم تقنية البلوك تشين في توفير أساس واضح يمكن من خلاله تتبع معاملات العملات الرقمية لاكتشاف الأنماط المريبة. كما أن تطوير أطر تنظيمية قوية فيما يتعلق بمنصات تبادل العملات الرقمية يمكن أن يقلل من المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في الواقع، طبقت دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجراءات متقدمه في هذا المجال. في المملكة العربية السعودية، يُلزم المؤثرون بالكشف عما إذا كانوا مروجين مدفوعي الأجر، والابتعاد عن تقديم ادعاءات مضللة. أما الإمارات العربية المتحدة، فقد ألزمت المؤثرين بالحصول على تراخيص، مما أضاف طبقة إضافية من المساءلة.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة. التحدي الأول هو التطور السريع للتقنيات والتغير المستمر في أساليب المجرمين السيبرانيين، مما يجعل من المستحيل تقريبًا على السلطات أن تظل تسبقهم بخطوه. بالإضافة إلى ذلك، الطبيعة المعقدة للتسويق عبر المؤثرين، وغالبًا الغموض الكبير بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع، تجعل عملية المتابعه والتحقق صعبة للغاية.

مكافحة غسيل الأموال الإلكتروني بفعالية تتطلب نهجًا متعدد يشمل الحكومة الأردنية، والمؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا. ويتضمن ذلك تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخبارية لتطوير أدوات معقدة للكشف عن هذه الأنشطة غير القانونية ومنها.

من خلال هذه الأساليب، يمكن للسلطات المعنية والهيئات الرقابية في الاردن تقليص قدرة غاسلي الاموال على استغلال المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لغسل الأموال بشكل كبير، مع حماية نزاهة النظام المالي. ومع الوعي بأن العالم الرقمي يستمر في التطور، فإن هذا المجال يتطلب أن يتم تطوير الوعي بالتهديدات الجديدة وتعديل السياسات التنظيمية بشكل مستمر.


.