كتب أ. د هاني الضمور - 

في ظل التداعيات السياسية المتسارعة والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، تتزايد الأصوات المطالبة بمساءلة مرتكبي الجرائم ومحاسبتهم على أفعالهم. وفي هذا السياق، تقف محكمة الجنايات الدولية كرمز عالمي للعدالة، وهي الجهة التي تُعنى بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، تجد المحكمة نفسها في مواجهة اتهامات سياسية متصاعدة بالتحيز ومعاداة السامية، يقودها قادة الاحتلال الإسرائيلي مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، خصوصًا بعد إعلان المحكمة نيتها التحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة.

هذه الاتهامات ليست جديدة، بل إنها أسلوب متكرر يُستخدم لإبعاد الأنظار عن الجرائم الواضحة ولتشويه سمعة المحكمة ومنعها من أداء دورها. اللافت أن من يوجهون هذه الاتهامات يدركون جيدًا أن أعضاء المحكمة هم من قضاة مستقلين ذوي خبرات عريقة، تم اختيارهم من مختلف دول العالم بعملية انتخاب دقيقة من الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي. يتم توزيع هؤلاء القضاة على دوائر تضمن النزاهة والحيادية، ومع ذلك، تتعرض المحكمة لضغوط هائلة بهدف النيل من مصداقيتها وتعطيل تحقيقاتها.

ازدواجية المواقف واضحة في تصرفات قادة الاحتلال الذين يرفضون الاعتراف بسلطة المحكمة لأن إسرائيل ليست عضوًا في نظام روما الأساسي، وفي الوقت نفسه يتهمونها بالتحيز. هذه الازدواجية لا تعكس إلا محاولة الإفلات من المحاسبة القانونية. والأكثر غرابة أن المحكمة لم تصدر حتى الآن أي حكم نهائي بشأن الجرائم في فلسطين، مما يجعل الهجوم عليها محاولة استباقية لإجهاض العدالة قبل أن تأخذ مجراها.

إن استمرار الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية لا يُهدد المحكمة وحدها، بل يهدد فكرة العدالة العالمية نفسها. فإضعاف دور المحكمة يعني إعطاء الضوء الأخضر لمزيد من الجرائم ضد الإنسانية دون محاسبة. ولهذا، فإن المجتمع الدولي مُطالب اليوم بدعم المحكمة في أداء دورها وتشجيع استقلاليتها، خاصة في القضايا التي تتعلق بالضحايا المدنيين.

اتهام المحكمة بمعاداة السامية هو تشويه متعمد يهدف إلى صرف الأنظار عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، لكنه لن يُغير من حقيقة أن العدالة ستظل مطلبًا عالميًا يتطلع إليه الجميع. ورغم الضغوط السياسية، تبقى المحكمة الجنائية الدولية شعلة أمل للضحايا ومصدر قلق للمجرمين الذين لن يتمكنوا من الهروب من الحساب إلى الأبد.
.