بتاريخ 27 كانون الثاني1962، قدمت حكومة بهجت التلهوني، استقالتها، وفي نفس اليوم كلف الملك حسين وصفي التل، بتشكيل حكومته الأولى، والتي ضمت أحد عشر وزيرا.
كان الملك حسين كان قد عرف تمام المعرفة شخصية وصفي، ونظرته العلمية نحو الدولةوالمجتمع،حيث كوّن خبرات تراكمية في المجالات العسكرية والإستراتيجية والتنموية والإدارية.
كان وصفي التل في الثانية والأربعين من العمر، عندما عهد إليه بتأليف الوزارة. كان يرى أنه لا بد من انتهاج أساليب ووسائل جديدة، ومن هنا اختار وصفي طاقمه الوزاري من شخصيات لم يسبق لها أن تقلدت أية مناصب وزارية، مفضلا اختيارهم من الشباب، حيث كان متوسط أعمارهم حوالي أربعين عاما، وكانوا بمثابة نخب تعليمية، وأقرب إلى فريق تكنوقراط، وكان اشغالهم للحقائب الوزارية يتفق مع كفاءتهم ونزاهتهم ومؤهلاتهم العلمية.
أوضح وصفي أن هدفه الأساسي إعطاء نتائج سريعة على الصعيد الداخلي، بالاعتماد على التفكير السليم، والإستفادة من خبراء الغرب.
بعد يومين على تشكيل الحكومة، رزق الملك حسين بنجله عبد الله، ما كان سببا في إصدار عفو عام عن عدد من المحكومين، وأعلن وصفي أن العفو سيشمل المحكومين السياسيين وغير السياسيين، بمن فيهم المقيمينخارج المملكة.
وقبل نفاذ قانون العفو العام، قرر وصفي إلغاء الإقامة الجبرية، عن ثمانين مواطنا، وإلغاء تصاريح السفر للخارج، إضافة إلى منح شهادة حسن سلوك لكل من يطلبها، وألغي الحصول على تصاريح الخروج، في خطوات هدفت إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة مع القوى المعارضة.
كان وصفي الوحيد الذي التمس من الملك حسين العفو عن الضباط الذين حكموا على أثر الأحداث التي وقعت بين 1957 – 1958، إلى جانب مساهمته لإيجاد عمل لهم، حيث نجح في تعيين ستة عشر ضابطا في مؤسسات الدولةالمختلفة.
استند وصفي في رؤيتة للحكم السليم، أن الإصلاح لا بد أن يكون رأسيا، وأن الحكومة هي أداة هذا الإصلاح الرئيسة، وتاليا لا بد من تطهير أجهزة الحكومة من العناصر الفاسدة، ولذلك أخذ على عاتقهإصلاح الجهاز الحكومي ورفع مستواه.
طلبت الحكومة الثقة من مجلس النواب، مقدمة بيانها الوزاري على أساس شعار"الوطن النموذج"، وتعهد الرئيس فيه أن تكون حكومته خادمة وليست حاكمة، مع تصميم على محاربة التسلط والاحتكار والمحسوبية والمحاباة.
ولكي تتخلص الحكومة من الرشوة، اقترح وصفي رفع الرواتب، بشرط أن يتزامن ذلك مع زيادة ساعات العمل، لتقابل الزيادة المالية زيادة في الإنتاج، وبالفعل أصبح دوام الموظفين على فترتين صباحية ومسائية، على أن تكون الفترة المسائية لإنجاز المعاملات فقط.
كان حل مجلس أمانة العاصمة، أولى خطوات الحكومة التحديثية لتنظيم الجهاز الحكومي، ويظهر تصميم الرئيس على اجتثاث الفساد من خلال طبيعة اللجنة التي حلت محل المجلس، وكانت برئاسة أحد قضاة محكمة التمييز، والذي أستعير من القضاء، ومنح صلاحيات أمين العاصمة، إضافة إلى تعيين منيف الرزاز، الشخصية المحورية في حزب البعث، عضوا في اللجنة.
قرر وصفي التل ضرورة الإستفادة ممن جهود الطلاب خلال العطلة الصيفية، من خلال إقامة "معسكرات الحسين للعمل، وحدد مهامها بتجدير الأراضي المنحدرة، وفتح ورصف الطرق القروية، وتنظيف الآباروالبرك المائية، إلى جانب التدريب على السلاح، وفق برنامج خاص للتدريب العسكري، يشتمل على استخدام الذخيرة الحية، وبرنامج للتوعية الثقافية من خلال محاضرات ركزت على أحداث التاريخ، وقدسية التمسك بالأرض.
ربط وصفي التلبين هذه التجربة وضياع فلسطين، معتقدا أن غياب هذا النموذج كان سببا في ضياع الأرض، محددا مهمة هذه المعسكرات :" بأنها خلق جيل جديد يؤمن بالتجربة والعمل، وهي الوسيلة الفعالة للوصول إلى الأهداف سواء في السلم أو في الحرب .. وما كان ضياع فلسطين إلا لنقص هذه التجربة، وعدم وجود العمل الجدي المنظم ...".
اهتم وصفي التلشخصيا بهذه المعسكرات، بادئا بزيارة معسكرات الضفة الغربية من المملكة قبل الشرقية، وكانت حواراته مع الطلبة تتركز حول فلسطين والسلاح.
كان همه أن يكون الأردن قويا من الداخل، كي يكون مؤثرا وقويا في الخارج، من هنا تركيزه على عملية البناء الداخلي. كانت الحكومة ذات سمعة جيدة ونظيفة ونزيهة، محاربة للرشوة والاستهتار.
بعد خمسة أشهر من توليه المسؤولية أصدرت وزارته " مخطط فلسطين”. وقد ركز هذا المخطط على أن الجهد الأردني والفلسطيني، يكملان بعضهما البعض، في إطار خطة عربية شاملة. ومن هذا المنطلق أعلن أن أي تنظيم " يفكر ويهدف من قريب أو بعيد إلى فصل الضفة الغربية عن الشرقية، إنما هو تعريض الضفة الغربية للضياع”.
في 2 أيلول اتخذ وصفي قرار إقرار قانون الجامعة الأردنية، كأول جامعة في الأردن، وفي 26 أيلول أعلن عن حل مجلس النواب، والذي لم يكمل سنته الأولى، كون معظم أعضائه قد نجحوا بالتزكية، وكان موضع سخط نسبة كبيرة من المواطنين.
تعهد وصفي أن تكون الانتخابات النيابية شريفة وغير موجهة، متوعدا كل من يمس نزاهتها بمعاملة قاسية. جرت الانتخابات بموعدها المحدد 24 تشرين ثاني 1962، وكانت انتخابات حرة، ما جعل شخصية الرئيس تحظى باحترام كبير.
وبالنسبة إلى سياسته في التوظيف وإشغال المناصب العامة، كان بعيدا عن المحاباة العائلية، ما منحه وأفراد حكومته، احتراما اكبر. وكمثال على عدالته، أقدم على عقد امتحان خاص للراغبين في الالتحاق بوزارة الخارجية، حيث وضع الأسئلة بنفسه، ويقيت تحت رعايته حتى بدء الامتحان، وكان الناجحون من مختلف الشرائح الاجتماعية.
كان يحرص على تدوين المعلومات عن موظفي الدولة، وخاصة أصحاب الوظائف الحساسة، مشتملة على الإيجابيات والسلبيات، وكل ما يتعلق بالنزاهة والكفاءة.
السياسة الخارجية للحكومة
اتخذ وصفي موقفا معارضا من الانقلاب العسكري الذي حدث في اليمن مساء يوم 26 أيلول 1962، يقيادة عبد الله السلال، وانتقد عبد الناصر لتدخله في اليمن، كما هاجم الولايات المتحدة لاعترافها بالحكومة الجديدة في صنعاء.
وجد الأردن نفسه مؤيدا للموقف السعودي من الانقلاب، لأسباب عديدة، من أبرزها موقف مصر المعادي للأردن في تلك الفترة. وأعلن وصفي أن الأردن يعتبر أي عدوان على السعودية بمثابة عدوان عليه، وتطور التعاون مع السعودية إلى عقد تحالف عسكري بينهما.
كان الرأي العام في الأردن وخاصة في الضفة الغربية، يعارض مساندة الأردن للسعودية في حرب اليمن، وبعد لجوء قائد سلاح الجو الأردني سهل حمزة ، وطيارين آخرين إلى مصر، بعد صدور الأمر لهم بالاتجاه إلى الطائف، ليوفروا الدعم للطائرات السعودية. أدرك المسؤولون عمق شعور الرأي العام، ولذلك بادر وصفي التل للذهاب إلى نجران، وعاد إلى عمان ومعه بقية طياري السرب وطائراتهم.
قدم وصفي استقالة حكومته الأولى بتاريخ 2 كانون أول 1962، وخلال ساعات طلب منه الملك حسين تشكيل حكومة جديدة، ضمت معظم وزراء الحكومة السابقة....