كتب عوني الرجوب
تعد قضية الأراضي الأميرية في الأردن واحدة من أبرز المشكلات التي تؤرق الكثير من المواطنين، حيث يعيش الغالبية العظمى من الشعب دون امتلاك قطعة أرض واحدة تحمل أسماءهم، بينما تتكدس آلاف الدونمات تحت مظلة الدولة، متروكة دون استغلال حقيقي أو فائدة تعود على الناس. هذا الواقع يطرح تساؤلات ملحة حول عدالة توزيع الموارد الوطنية وضرورة استثمار هذه الأراضي بما يخدم المواطن والدولة على حد سواء.
معاناة المواطن: أزمات متراكمة
كيف يمكن لموظف يتقاضى راتبًا شهريًا لا يتجاوز 300 دينار أن يعيش حياة كريمة، ناهيك عن بناء منزل أو شراء شقة أو أرض؟ هذا السؤال يعكس واقعًا أليمًا يعيشه المواطن الأردني، حيث بات امتلاك منزل أو قطعة أرض حلمًا صعب المنال، وأحيانًا مستحيلًا.
تكاليف المعيشة الباهظة، وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بشكل خيالي، أضحت كابوسًا يلاحق الأسر الأردنية، خاصة تلك التي تعاني من دخل محدود. أمام هذا الواقع، يُطرح تساؤل منطقي: لماذا تُترك مساحات شاسعة من الأراضي الأميرية دون استغلال؟ ولماذا لا يتم توزيع هذه الأراضي على المواطنين؟
الأراضي الأميرية: كنز مهدور
الأراضي الأميرية تُعد من أكبر الأصول التي تمتلكها الدولة، وهي موزعة على المناطق الجبلية والسهلية والصحراوية، ومع ذلك، نجد أن معظم هذه الأراضي غير مستثمرة ولا تُسهم في التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية. هذا الإهمال يشكل خسارة وطنية من جهة، ويزيد من معاناة المواطن الذي يرزح تحت ضغط الحاجة من جهة أخرى.
بينما يعاني الكثير من المواطنين من الفقر والبطالة، نجد أن استغلال هذه الأراضي بشكل مدروس يمكن أن يكون حلاً جذريًا للعديد من المشكلات. فلماذا لا يتم تحويل هذه الأراضي إلى مشاريع إسكانية وزراعية؟ ولماذا لا تكون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفقر؟
مقترحات عملية: العدالة في توزيع الأراضي
1. توزيع الأراضي على المواطنين
من حق المواطن الأردني أن يمتلك قطعة أرض يسكن فيها أو يزرعها، ويمكن للدولة أن تعتمد نظام توزيع منصفًا للأراضي على النحو التالي:
•يتم تخصيص 1000 متر مربع لكل أسرة مسجلة في دفتر العائلة.
•بعد إنجاب الطفل الثالث، يتم منح الأسرة 200 متر إضافية لكل فرد جديد.
•هذه الأراضي تُعطى للمواطنين مجانًا أو بأسعار رمزية، مع تسهيلات تساعدهم على البناء والاستقرار.
هذا الاقتراح لا يسهم فقط في تحسين حياة المواطن، بل يعزز من استقرار المجتمع ككل ويقلل من الأزمات السكنية.
2. استئجار الأراضي للاستثمار
بدلاً من ترك الأراضي الأميرية دون فائدة، يمكن أن تُطرح للاستثمار الزراعي أو السياحي وفق آليات محددة:
•يتم منح كل أسرة لا تملك أرضًا عشر دونمات بعقد إيجار رمزي لمدة عشر سنوات.
•تُستخدم هذه الأراضي في الزراعة أو إقامة مشاريع صغيرة تساهم في تحسين دخل الأسرة.
•إذا أثبتت الأسرة نجاح المشروع بعد انتهاء المدة، يتم نقل ملكية الأرض إليها.
هذا النموذج يشجع الأسر على العمل والإنتاج، ويحول الأراضي غير المستغلة إلى موارد اقتصادية ترفد الاقتصاد الوطني.
أبعاد القضية: أكثر من مجرد أرض
قضية الأراضي الأميرية ليست مجرد أزمة عقارية، بل هي أزمة تنموية واجتماعية تمس حق المواطن في العيش الكريم. فحرمان المواطن من حق امتلاك الأرض لا يعني فقط تقييد إمكانياته الاقتصادية، بل يعمق شعوره بالظلم والتهميش.
حين يُترك المواطن دون أرض أو مسكن، فإنه يعيش حالة من الإحباط والفقر، ما ينعكس سلبًا على المجتمع بأكمله. بينما يمكن لسياسة توزيع الأراضي واستثمارها أن تُحدث تغييرًا جذريًا في حياة الأفراد، من خلال توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة.
فوائد توزيع الأراضي على المواطنين
•تعزيز العدالة الاجتماعية: توزيع الأراضي يضمن توزيعًا أكثر عدلاً للموارد الوطنية.
•تحفيز التنمية الاقتصادية: تحويل الأراضي غير المستغلة إلى مشاريع منتجة يساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.
•تقليل الفقر: امتلاك الأرض يمنح الأسر فرصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الزراعة أو الاستثمار.
•تعزيز الاستقرار الاجتماعي: امتلاك المواطن لبيت وأرض يساهم في تحسين شعوره بالانتماء والاستقرار.
كلمة أخيرة
من حق المواطن الأردني أن يشعر بأنه جزء من وطنه، وأن تكون له حصة عادلة من موارده. الأراضي الأميرية ليست مجرد مساحات شاسعة فارغة، بل هي أمل لكثيرين يمكن أن يُحول حياتهم من البؤس إلى الأمل.
إن توزيع هذه الأراضي على المواطنين، سواء كملكيات خاصة أو للاستثمار بعقود إيجار طويلة الأجل، يمكن أن يكون خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
"ارحموا العباد يرحمكم رب العباد”، هذه العبارة تلخص نداء الشعب الأردني، الذي يطالب بحقه في حياة كريمة ومستقبل أفضل. فهل تستجيب الدولة لهذا النداء؟