من أكثر قصائد الشعر النبطي في العصر الحديث والتي دخلت قلبي مباشرة وتأثرت بها كثيرًا، وأمعنت النظر في حروفها حرفًا حرفًا قصيدة للشاعر الأردني الشعبي عازف الربابة شبلاق العجرمي، فروي عنه أنه قد ألف هذه القصيدة وهو على سيل حسبان في ناحية ناعور وهي من المناطق المعروفة القريبة من العاصمة الأردنية عمّان. المتمعن بحروف القصيدة يشعر بالألم والحسرة التي عاشها الشاعر فهي تمتلئ بالشكوى من الإهمال المجتمعي والطبي الذي لحق به، كان رحمه الله يبحث عن أي إنسان يساعده للحصول على علاج لعينيه بعد أن أصابه عمى شبه كامل واحتاج لقطرة للعين باهظة الثمن وغير متوفرة في الأردن فلم يجد من يساعده للحصول عليها فذهب لإحدى المستشفيات الخاصة وحاول شراء بديل عنها لكنه لم يكن يملك المال الكافي فشعر بالحرمان وعاد لمنزله وكتب أبيات القصيدة التي تقول:-
يا علي دورلي قلم ما انكتب بيه
اخوك من ضيم الدهر ضاق صدره
الشعر ماهو عيب للي صدق بيه
العيب تطلب من عمى العين نظره
من فقد شوفه يا شبلاق بيش تبغى تداويه
فاقد بصيره وانت تبي عاد قطره
وادري بعض الناس شعري هزو بيه
و? فرقوا مابين جمره وتمره
وكثير من حاش العلم واعتنى بيه
وخلّف معالم وما لقى ناس تقرى
هالزمن كافل كل جرح يداويه
داوي جروحك بالصبر لين تبرى
وان خاواك وداد النفس لا تخاويه
يدور بدوره وانت دورك لبكره
ومن شد حبلك شد حبله وقويه
غير المحبه ما بها بطيب ذكره
ومن زرع زرعه لأوان الصيف يجنيه
وحتماً يحوش من مطاليع بذره
القرش مثل السيف قوه لراعيه
القرش يا احمد العيسى مثل السيف قوة لراعيه
لا صار ما به من عمى وزود كبره
والصدق قوه وكل قوة رصد فيه
وستره لمن خاف الدهر يوم يعراه
واكتب وصلي حيل تبت مراميه
والحمد للي زاد فضله وشكره
ما جعلني أكتب هذا المقال هو حجم الألم والحسرة والعذاب التي شاهدتها في أحد الفيديوهات المرسلة من غزة، وبكاء أحد الرجال وهذا القهر والعذاب وهو يستغيث ويقول: «يا رب، وقف المطر يا رب، لا تشتي علينا يا رب، غرقنا وأنت أعلم بحالنا»،
حتى لا ننسى ما يزيد عن عام من الحزن والحسرة والخوف والقتل والتشريد والتحيز العالمي الشاهد على مجازر الاحتلال مرت على غزة فحولت المشاعر هناك دَمعاً وَدما وهي تشتكي الى الله بعد أن خذلها القريب والبعيد ، مع هطول الامطار زادت معاناتهم فمنذ شهرين تقريبًا، تم منع دخول كل أنواع المعونات والمساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة. فالقطاع يخضع لحصار كامل، قطعت فيه المياه والوقود والإمدادات الغذائية والطبية، وهذا دليل على أن ما يجري ضد غزة ليست حربًا بالصورة التقليدية، بل إجرام يهدف للتدمير الكلي لكل هذا القطاع الصامد ولكل ما فيه، فهذه الهجمة البربرية تطول كل شيء هناك من بشر وشجر وحجر، ووحشيتها حلت على البيوت والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات ولا حياة لمن تنادي.
صدقوني، نحن نموت قهرًا وهم يموتون عطشًا، عندما يرتجي أحدهم من الله أن يوقف المطر وهم بأمس الحاجة إليه، فاعلم أن الغرق وصلنا جميعًا دون استثناء اللهم رحمتك بهم وأنت أرحم الراحمين...
الدستور