عقد الحزب المدني الديمقراطي الأردني يوم أمس جلسة حوارية في مقره لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة المعروض على مجلس النواب بمشاركة واسعة من عدد من الخبراء والمختصين من داخل الحزب وخارجه، إلى جانب عدد من قيادات الحزب ورؤساء اللجان القطاعية فيه، وأدارت الجلسة الدكتورة لينا شبيب.
هدفت الجلسة إلى تحليل مشروع القانون وتقديم رؤية الحزب وتوصياته التي تستند إلى مبادئه وأهدافه، وركزت النقاشات على السبل الفضلى لإعداد مشروع الموازنة العامة والثغرات التي تعتريه والتحديات التي تواجهه وسبل تحسينه ليعكس قيم العدالة الاجتماعية وقواعد اقتصاد السوق الاجتماعي التي يتبناها الحزب.
وفي بداية الجلسة أكد الأمين العام للحزب عدنان السواعير على أهمية دور الأحزاب في إحداث التغيير وأن من الضروري مواكبة عملية التحديث السياسي وأن نتحول من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، وأن الحزب يسعى إلى التركيز على البعد الاجتماعي ويسعى من خلال البحث في موضوع الموازنة إلى رفاه الإنسان باعتباره حاجة أساسية وليس ترفا، ورغم أن إعداد الموازنة العامة ما زال يتم بالأسلوب التقليدي إلا أن من المؤمل في أن يكون المستقبل مختلف، وأشار إلى أن مشروع قانون الموازنة العامة يعكس تحديات كبيرة في إدارة الموارد المالية، مع تأكيده على أهمية تحسين سياسات الإنفاق العام وتقليل الهدر في النفقات التشغيلية لصالح النفقات الرأسمالية التي تسهم في دعم المشاريع الإنتاجية وخلق فرص عمل مستدامة.
بدورها استعرضت مديرة الجلسة الدكتورة لينا شبيب أهم ما ورد في مشروع قانون الموازنة التي جاءت بحجم 12.5 مليار منها 1.5 مليار للنفقات الرأسمالية (12٪ من الاجمالي) وتشمل 155 مشروعا منها 36 مشروعا جديدا فقط والباقي استمرارية لمشاريع قيد التنفيذ أو مستمرة وهو مخصص محدود جدا، كما أبدت ملاحظتها بارتفاع العجز ليصل 12.9 مليار اي تقريبا ضعف ما كان عليه في عام 2013، والدين العام ليصل 44 مليار اي ما يقرب من أربعة أضعاف ما كان عليه في 2010، وأن ميزانية الوحدات المستقلة سجلت عجزا بقرابة ثلاثة أرباع مليار معظمها متأتي من شركة الكهرباء وسلطة المياه، في وقت ما زلنا نتحدث عن عجز الكهرباء دون حلول واضحة، أما الإيرادات الضريبية فشكلت ضريبة المبيعات ٨٥٪ وهي الضريبة التي تتصف بعدم الإنصاف والعدالة في حين ان الشمول الضريبي لا زال دون الطموح.
وأبدى النائب جمال قموه رئيس الحزب بأن مشروع قانون الموازنة مخيب للآمال وأن الموازنة كسابقاتها تقليدية وفيها ضعف شديد في نسبة النفقات الرأسمالية بصورة لا يمكن أن تحقق نموا اقتصاديا فعالا كما أنها لم تضع حلولا لكبح مشكلة البطالة، مؤكدا في نفس الوقت على أهمية استقرار التشريعات نظرا لما يشكله التغيير المستمر لها من أضرار على الصعيد الاقتصادي وجذب الاستثمار، وأن دور مجلس النواب ما زال محدودا في إحداث تغيير نوعي على مشروع الموازنة، مشددا على أهمية التشاور المسبق قبل وضع مشروع قانون الموازنة، وأن الحكومات اعتادت إهمال توصيات التحسين التي يقدمها النواب.
وسلط رئيس المجلس المركزي للحزب سمير عويس الضوء على الثغرات التي تشوب مشروع الموازنة خاصة فيما يتعلق بطريقة إعدادها، وأشار بأن للحزب وجهات نظر خاصة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية ولكن إمكانية ترك بصمة له أو للبرلمان بشكل عام أو أثر على السياسات المالية كان وما زال يشكل تحديا، وأشار إلى أن موضوع الوحدات المستقلة وميزانياتها يجب أن يحسم خاصة في ظل الهدر الذي تسببه وأن إصرار الحكومة على إبقائها يحتاج إلى مراجعة، وطالب بسياسة اقتصادية واضحة للدولة، وأن يتم دعم صندوق المعونة الوطنية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
من جانبه شدد الخبير الاقتصادي الدكتور يوسف منصور على ضرورة وضع أسس واضحة لإدارة الموارد المالية، وعدم التفكير بأسلوب محاسبي في وضع الموازنة ومناقشتها بل السعي إلى البحث عن سبل تحفيز الاقتصاد وأن الفرصة سانحة الآن لتنفيذ فعال لخطة التحديث الاقتصادي نظرا لأن رئيس الوزراء كان له دور مهم في وضعها، وأن من الضروري العمل على دمج الوحدات المستقلة للتقليل من الإنفاق غير المبرر، وأكد على أهمية دور الأحزاب في مساندة مجلس النواب في مناقشاته لمشروع الموازنة وفي مختلف التشريعات الأخرى، وعلى دور الحزب في تكريس سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي وتحسين الحياة الاجتماعية للمواطنين.
ودعا حمادة أبو نجمة أمين سر الحزب إلى توجيه سياسات الدعم الحكومي نحو الفئات الأكثر احتياجا وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية بما يضمن الوصول إلى العدالة الاجتماعية، وأبدى بأن الموازنة يجب أن تولي اهتماما خاصا ببرامج للقطاعين الزراعي والصناعي تسهم مساهمة حقيقية في النمو الاقتصادي، وبرامج للتشغيل والتدريب والحد من البطالة وخلق فرص عمل لائقة، وأن من الضروري الاتجاه نحو إجراء حوار وطني واسع قبل وضع مسودة مشروع قانون الموازنة وأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي كان قد تم إنشاؤه ليقود الحوار الاجتماعي في القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتشريعاتها وسياساتها إلا أن هذا الدور غير مفعل منذ سنوات.
وأكد الخبير الاقتصادي منير دية على أن مشروع الموازنة يجب أن يركز على تحسين الإيرادات الحكومية عبر تطوير أنظمة ضريبية أكثر عدالة وشفافية، مشيرا إلى أن 85% من بنود الإيرادات هي من ضريبة المبيعات، مؤكدا على أهمية خفض الإنفاق غير الضروري وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتركيز على تقليل العجز المتكرر في الموازنة العامة وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي بما يعزز التنمية المستدامة ويدعم الاقتصاد الوطني.
وفي مداخلة للخبير الاقتصادي حسام عايش أشار إلى أن الموازنة العامة الجديدة للعام تظل امتدادا للموازنات السابقة بما يؤدي إلى حالة من المراوحة لجهة النتائج المترتبة عليها، فهي موازنة تعاني من العجز المستمر وترتكز على المنح الخارجية وتتضمن مخصصات نفقات استثمارية يتم خفضها كلما وجدت الحكومة حاجة للتوفير في النفقات أي أنها تعتبرها نفقات درجة ثانية لجهة العناية بها وتحسين استخدامها بعيدا عن تقليدية هذا الاستخدام بين مشاريع مستمرة وقيد التنفيذ وجديدة حصتها من هذه النفقات نحو 5٪ فقط، مبينا أن الموازنات ما زالت تراكم المزيد من فوائد المديونية التي تقدر بمبلغ 202 مليار دينار وتشكل أكثر من 27٪ من إجمالي النفقات وأكثر من 23٪ من إجمالي الإيرادات المحلية وبما يفوق مخصصات وزارتي التربية والصحة معا.
أما في الشأن الاجتماعي فحقيقة زيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية إلى 280 مليون دينار لزيادة الأسر المستفيدة بحوالي 15 ألف أسرة وزيادة مخصصات صندوق الطالب المحتاج لإضافة تسعة آلاف طالب جديد ورفع مخصصات المعالجات الطبية المعرفية إلى 235 مليون وهي تساوي مخصصات المجالس اللامركزية جميعها، وهي حقاق تظهر ان الحكومات قد فشلت في إحداث عائد اجتماعي من وراء هذه الموازنات بل زادت في تراجع الأحوال المعيشية بدليل رفع المخصصات المشار إليها كبديل عن عملية اقتصادية ذات عائد اجتماعي ومعيشي مستدام.
وطالب الإعلامي الدكتور مزيد العرمان بتحسين سياسات إدارة النفقات العامة داعيا إلى تقليل الهدر المالي وإعادة توجيه الموارد نحو المشاريع التنموية التي تخلق فرص عمل مباشرة وتدعم الإنتاج المحلي، مؤكدا على ضرورة وضع أولويات واضحة تضمن تحقيق الاستدامة الاقتصادية.
وشدد المشاركون في الجلسة على أهمية أن تتضمن الموازنة سياسات تدعم النمو الاقتصادي المستدام، وتوفر فرص عمل لائقة وعادلة، وتحد من الفقر والبطالة. وأكدوا على ضرورة تبني برامج تشغيل وتدريب فعالة، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر احتياجا.
وأكدوا على أهمية دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، باعتبارها محركات أساسية لتحفيز الاقتصاد الوطني، وعلى تحسين جودة الخدمات العامة، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة والنقل، وتمكين المرأة والشباب من خلال سياسات تعزز دورهم في الاقتصاد والمجتمع.
وفي نهاية الجلسة أكد الحزب استمراره في عقد جلسات حوارية إضافية حول مشروع قانون الموازنة والتشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين وممثلي فئات المجتمع، والتزامه بصياغة توصيات عملية تعرض من خلال ممثله في مجلس النواب وتعكس رؤية الحزب وتطلعات المواطنين، وجدد الحزب تأكيده على مبادئه الراسخة في تعزيز العدالة الاجتماعية، وترسيخ المساواة، وتحقيق التنمية المستدامة لبناء اقتصاد وطني قوي ومزدهر يخدم جميع أبناء الوطن.