لقد أظهرت بقايا الأحزاب القومية واليسارية، جزَعها وحزنَها وسُخطَها الشديد على سُقوط الطاغيّة "بشار" فلَطمُوا الخُدودَ، وشقّوا الجيوبَ، وناحُوا، هؤلاء هُم أنفسُهم، الذين ما قامَ في العربِ ديكتاتورٌ حاكمٌ، قديمًا أو حديثًا، إلا وهلّلوا له، وما سقط أحدٌ منهم إلا بكوه بحُرقة.

هؤلاء هُم الذين فضّلوا اللطمَ في مهرجان الانتقامِ مِن بني جِلدتهم، تحتَ حُكم دموي طائفيّ، استكثروا على أهل الشام بهجتهم بسقوط جزّارهم، لا بل قرّعوهم وشكّكوا بثورتهم ورموزها، بحُجة استغلال اسرائيل التي اصيبت بالذهول مما حدث في سوريا، من سقوط من كان يحمي حدودها طيلة 54عاما، فأرادوا بفعلهم هذا، وانشغال الثوار بترتيب بيتهم الداخلي، أن يكسِروا الفرحة، ويضربوا المعنويات، ويوفِّروا مادة دسمة، للمُتَردِّيَةِ مِن أمثالِ القوميين واليسارين، ليقتاتوا عليها ويشكِّكوا بهذا الانجاز العظيم.

فقاموا بضرب المواقع العسكريّةِ، خوفًا من السلاح الذي كان بيدِ حارسِهِم يحميهم به مِن عدوِّهم الحقيقيّ فهلْ مِن أحدٍ كان يُصَدِّقُ أنّ ما كان يمتلكه من سلاح كيماويٍّ –الذي قتل فيه الأطفال والنساء- كان من أجل اسرائيل؟! إن كل مَن تنطلي عليه هذه الكذبة السَمِجَة، مراجعة طبيب الأمراض العقلية!!

قلت ولا أزال:إن الأحزاب القوميَّة واليساريّة الهَرِمَة، لا تزال تجتر خطابات آفلة ممجوجة، لم يعد لها أية فاعلية تذكر سوى بعدها التاريخي الرمزي الخاوي القديم، الذي انعكسَ سلبًا على أدائِها الرديء في التعاملِ مع قضايا ومصالحِالأمة.

ممَّا كانَ لهُ أكبرُ الأثرِ في عزلِها عن بيئتِها المجتمعيّة، وسهّل مهمّةَ إقصائِها وتحجيمها من قِبلِ المجتمعِ، فأضحت بلا قيمةَ ولا وزنَ لها يُذكَر؛ إذْ انحصرُ وجودُها في مجموعاتٍ رمزيّةٍ صغيرةٍ ،وهامشيّةٍ ممقوتةٍ جماهيرياً لا أثرَ لها في الواقعِ الراهنِ.

لقد أثبتوا لكلِ ذي بصيرةٍ ،أنّهم أوفياءُ للقتلةِ والطائفيين والطغاةِ، وهمْ الآنَ عُراةٌ، يضعونَ قفاهُم على وجوهِم من دونِ خجلٍ أوازعٍ مِن ضميرٍ، ولكنْ مِن أينَ لهمْ الضميرُ؟ فضائِحُهم عرَّتهُم فأثبتتْ أنَّهم يَلعقونَ أحذيةَ الطغاةِ والمستبدِّين القتلةِ ويؤلِّهُونَهم، والأحداثُ أثبتتْ بما لا يدعو إلى الشك، أنَّ اليساريّةَ أو القوميّةَ والليبراليةَ، لا تعنِي إلا القمعَ والنذالةَ والمصلحةَ والوصوليَّةَ والنفعيَّة ولعقِ الأحذيَةِ والوَهمِ.

فإذا كانت أخلاقهم النابعة من عَوَقٍ فكريٍّ وتَخَنُّثٍ فِكرِيٍّ ،تجعلهم لا يستنكرون قتلَ شعبٍ بأكملهِ وتدميرِ وطنٍ، لا بلْ ويصفقون للطاغيَةِ، ثم يبررون أنَّهم مِن مُؤيِّديهِ ومناصِريهِ، فلا بدَّ لي أنْ أقولَ:اذهبوا جميعا إلى مزبلةِ التاريخِ غيرِ مأسوفٍ عليكم.


.