أوصى خبراء بضرورة تبني سياسات حكومية تدعم القطاع الزراعي في مواجهة تغير المناخ، مع التركيز على تقديم دعم محدد للمرأة العاملة في هذا القطاع، إضافة إلى تطوير برامج التوعية البيئية المستدامة الموجهة للنساء في المناطق الزراعية، مع التركيز على ربط تغير المناخ بالإنتاج الزراعي وظروف العمل، مع تضمين البرامج ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز فهم العاملات لأهمية تغير المناخ وكيفية التكيف معه.
جاء ذلك في مؤتمر نظّمته "تمكين" بالتعاون مع منظمة اوكسفام تحت عنوان "آثار التغير المناخي على العاملات في الزراعة: تحديات وحلول"، حيث يهدف إلى تسليط الضوء على تأثيرات التغير المناخي على القطاع الزراعي، مع التركيز على النساء العاملات فيه. يتناول المؤتمر الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والنفسية الناتجة عن التغير المناخي، إضافة إلى استعراض الجهود الحكومية والمدنية لمواجهة هذه التحديات، ودور التعاونيات الزراعية في دعم المزارعين والمزارعات.
أوضحت مديرة تمكين، لندا كلش، أن القطاع الزراعي في الأردن يواجه تحديات كبيرة نتيجة التغير المناخي، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة، تناقص كميات الأمطار، والجفاف، مما أدى إلى تراجع الإنتاجية الزراعية. وأشارت إلى أن 88% من العاملات في الزراعة تأثرت إنتاجيتهن نتيجة لهذه التغيرات. كما أكدت أهمية التعاونيات الزراعية في توفير الدعم اللازم للمزارعين والمزارعات للتكيف مع هذه التحديات.
قدّمت مديرة المشاريع في "تمكين"، رانيا الصرايرة، نتائج دراسة استطلاعية نفذتها المؤسسة. أبرزت الدراسة أن غالبية العاملات في الزراعة بالأردن يعملن في زراعة المحاصيل (99.1%)، وأن أكثر من نصفهن يعملن في مزارع يمتلكها أشخاص آخرون (82.7%). كما أظهرت الدراسة أن 92.3% من العاملات على علم بتأثير تغير المناخ على الزراعة، وأن أبرز مظاهره تشمل ارتفاع درجات الحرارة (91.9%) وتغير جداول هطول الأمطار (73.9%).
في سياق المؤتمر قالت رئيس قسم التكيّف في مديريّة التغيّر المناخيّ بوزارة البيئة المهندسة سارّة الحليق إنّ الحكومة الأردنية عليها التزامات دولية ومحلية في إطار التغير المناخي، خاصة في ظل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، حيث إن وزارة البيئة هي من تتابع الالتزامات، وتقوم بدور الاتصال والإشراف على المناخ محليًا، ومن تقدم تنفيذ الالتزامات الدولية.
وقالت إن السياسة الوطنية للتغيُّر المناخي 2050-2022 تعد وثيقة شاملة لتعميم ودمج التغيُّر المناخي في كافة السياسات والاستراتيجيات وخطط العمل القطاعية.
وأضافت أن الوزارة تستهدف في مشاريعها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة أو رفع القدرة على التكيّف مع التغيّر المناخيّ، مثل مشاريع الطاقة المتجدّدة وما يتعلّق بالسيّارات الكهربائيّة وسيّارات النقل، حتّى نقلّل من غازات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وبيّنت أنّ جميع هذه المشاريع تستهدف المجتمعات الفقيرة المتأثّرة بالتغيّر المناخيّ كونها بحاجة إلى رفع الوعي، ويمكن تنفيذ مشاريع للمحافظة على المياه وعمل مشاريع زراعيّة تقلّل من فاتورة الكهرباء، بالتالي تعود عليهم بالنفع لتوفير مياه أكثر من الأمطار.
وأشارت الحليق إلى أنّ هناك العديد من المشاريع الموجّهة لقطاع المياه في الزراعة، ومن ضمنها تدريب فريق زراعيّ وهو من المشاريع المنزليّة الموجّهة، ويشمل في جزء منه الحصاد المائيّ، والعمل أيضًا على تدريب المزارعين وتدريب مجموعة من النساء القياديّات، ذلك لتعزيز قدرة المجتمع على التصدّي لمواجهة التغيّر المناخيّ.
وأبرزت زينب الحمدان، رئيسة قسم دراسات سلاسل القيمة للإنتاج الزراعيّ في وزارة الزراعة، أهمّيّة دور الوزارة في مواجهة تداعيات التغيّر المناخيّ على القطاع الزراعيّ في الأردنّ. وأوضحت أنّ الوزارة تعتمد على دراسات مستندة إلى بيانات مناخيّة تمتدّ لأكثر من 45 عامًا لتقييم تأثيرات التغيّر المناخيّ، بالتعاون مع المركز الوطنيّ للبحوث الزراعيّة ومنظّمة الفاو، بهدف وضع استراتيجيّات فعّالة لتعزيز قدرة القطاع الزراعيّ على الصمود أمام التحدّيات المناخيّة. وأشارت إلى أنّ التغيّر المناخيّ يؤدّي إلى ارتفاع درجات الحرارة، انخفاض متوسّط هطول الأمطار، وزيادة التباين في كمّيّاتها، ممّا يهدّد مصادر المياه، ويؤثّر في الإنتاج الزراعيّ والثروة الحيوانيّة. وفي هذا الإطار، تعمل وزارة الزراعة على تنفيذ إجراءات استباقيّة للتخفيف من المخاطر المناخيّة، مع التركيز على تطوير مشاريع زراعيّة ذكيّة تأخذ في الحسبان التغيّرات المناخيّة، وتحقّق وفرة في الإنتاج. وأكّدت الحمدان أنّ هذه الجهود تتطلّب بنى تحتيّة متقدّمة تواجه تحدّيات ماليّة وفنّيّة، ممّا يستدعي تعزيز التعاون بين القطاعين العامّ والخاصّ لوضع حلول مبتكرة ومستدامة تدعم القطاع الزراعيّ في مواجهة هذه التحدّيات.
تناول النائب علي الغزّاوي، ممثّلًا عن لجنة الزراعة والمياه والبيئة والمناخ النيابيّتين، في حديثه أهمّيّة دور المرأة الريفيّة باعتبارها المورد الرئيسيّ للأسرة ودورها في القطاع الزراعيّ، مشيرًا إلى قلّة مشاركة الشباب في هذا القطاع. وأكّد على ضرورة توفير الحماية الاجتماعيّة والصحّيّة للعاملين بنظام المياومة، مع التركيز على إشراك القطاع الخاصّ في تأمين العاملين والمحاصيل الزراعيّة. كما شدّد على أهمّيّة صندوق المخاطر الزراعيّة، رغم التحدّيات المتعلّقة بتمويله وضمان وصول التعويضات إلى المستحقّين. وأشار إلى التحدّيات المناخيّة مثل شحّ الأمطار وتغيّر المناخ، ممّا يتطلّب وضع استراتيجيّات فعّالة لدعم الزراعة. ولفت الانتباه إلى ضرورة تحسين أداء الجمعيّات التعاونيّة وضمان أن تعود المشاريع بالنفع على المزارعين بدلًا من التجّار أو الأقارب. كما أشاد بجهود مؤسّسة الإقراض الزراعيّ، لكنّه أشار إلى صعوبات التعاون مع شركات التأمين الّتي ترفض الانخراط في هذا المجال. وأكّد على أهمّيّة الاستفادة من تجارب الدول العربيّة مثل فلسطين والصومال في مجال التأمين الزراعيّ. وفي ختام حديثه، دعا إلى تعزيز الصناعات الغذائيّة وتطوير آليّات لتخزين المحاصيل مثل البطاطا لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائيّ من خلال استغلال الموارد المحلّيّة بشكل أفضل.
وأكدت رئيسة جمعية تطوير وإعمار وادي الأردن، المهندسة سيرين الشريف، أن الأوضاع في الأغوار الشمالية والجنوبية والوسطى تزداد سوءًا نتيجة قلة الموارد وتضرر المحاصيل نتيجة التغيّرات المناخيّة، مشيرة إلى أنّ الوضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت. وأوضحت أنّ هذه التأثيرات لا تقتصر على المزارعين فحسب، بل تمتدّ لتشمل المزارعات اللّاتي يعانين قلّة فرص العمل بسبب نقص الموارد الزراعيّة إلى جانب تضرر أصحاب الحيازات الزراعية خاصة صغار المزارعين، وأضافت أنّ المحاصيل الأساسيّة مثل الكوسا والباذنجان والبندورة والخيار قد تعرّضت لأضرار كبيرة خلال الموسم الحاليّ نتيجة التغيّرات الحادّة في درجات الحرارة، حيث تكون الأجواء حارّة خلال النهار وباردة في المساء، إضافة إلى تأثير الصقيع. وفي هذا الإطار، ودعت إلى ضرورة عقد دورات تدريبيّة وتوعويّة للمزارعات لتمكينهنّ من مواجهة هذه التحدّيات وتعزيز قدرتهنّ على تحقيق دخل إضافيّ بطرق مبتكرة ومستدامة.
يشير المهندس مازن أبو قمر، المدير العامّ لمركز إكساب للتنمية المستدامة، إلى أهمّيّة القطاع الزراعيّ باعتباره قضيّة ترتبط بالأمن الوطنيّ والإنسانيّ، خاصّة في ظلّ التغيّرات المناخيّة الحاليّة الّتي تؤثّر على نحو مباشر على هذا القطاع الحيويّ. ويؤكّد أنّ تعزيز الاستثمار في القطاع الزراعيّ وزيادة الرقعة الزراعيّة يتطلّب تعاونًا جادًّا بين الجهات الحكوميّة، ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، والقطاعات التنمويّة. كما شدّد على ضرورة وجود تشريعات صارمة لضمان استمراريّة القطاع وحماية العاملين فيه، مع التمييز بين المزارعين كأصحاب عمل والعاملين في النشاط الزراعيّ. ورأى أنّ دعم القطاع يجب ألّا يقتصر على الإنتاج فحسب، بل يجب أن يكون على أساس المنتج مع إدخال تقنيّات زراعيّة حديثة وتشجيع الممارسات السليمة. كما دعا إلى تحسين ظروف العمالة الزراعيّة وتقديم حوافز ومكافآت للمزارعين، إلى جانب دعم المشاريع الصغيرة الّتي تديرها الأسر والسيّدات. وأكّد على أهمّيّة استثمار الفرص المتاحة في القطاع الزراعيّ بحذر لتجنّب فشل التجارب السابقة، مشدّدًا على أنّ التنمية الزراعيّة هي مسؤوليّة وطنيّة تتطلّب تخطيطًا استراتيجيًّا لتحقيق إنتاج وطنيّ مستدام وزيادة المساحات الخضراء.
في السياق ذاته أكدت هلّا مراد، مديرة جمعيّة دبين للتنمية البيئيّة، على أهمّيّة وضع آليّات رقابة ومحاسبة فعّالة لضمان تنفيذ القرارات المناخيّة الّتي تصادق عليها الدول خلال القمم الدوليّة، مشيرة إلى أنّ غياب هذه الآليّات يعيق تحقيق تقدّم ملموس في مواجهة آثار الاحتباس الحراريّ. وأوضحت مراد أنّ التغيّر المناخيّ يؤثّر بشكل مباشر على حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعيّة، خصوصًا في ما يتعلّق بالأمن الغذائيّ والمائيّ وحرّيّة التعبير لمنظّمات المجتمع المدنيّ البيئيّة. كما شدّدت على ضرورة إشراك الفئات المهمّشة والمجتمعات المحلّيّة والنساء في الجهود المناخيّة، نظرًا لكونهم الأكثر عرضة للتهديدات، ولقدرتهم على تقديم حلول مبتكرة استنادًا إلى خبراتهم الميدانيّة والتقليديّة. وأبرزت مراد التحدّيات الّتي تواجه النساء العاملات في قطاع الزراعة، حيث يعتبرن الحلقة الأضعف رغم كونهنّ يشكّلن الغالبيّة، إذ يؤدّي شحّ الموارد المائيّة والتغيّرات المناخيّة إلى تفاقم مشكلاتهنّ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ممّا يهدّد استمراريّة أعمالهنّ، ويزيد معدّلات الفقر بينهنّ. وأشارت إلى ضعف وصول النساء إلى مصادر التعويض والتمويل الحكوميّ، الأمر الّذي يضاعف من معاناتهنّ. مع ذلك، أكّدت مراد على قدرات النساء العالية في التكيّف مع الظروف المناخيّة الصعبة وإيجاد حلول مبتكرة، داعية إلى الاستماع لخبراتهنّ ومساهماتهنّ في مواجهة التحدّيات المناخيّة، خاصّة في قطاع الزراعة، الّذي يتطلّب استراتيجيّات عمليّة لمجابهة الأزمات مثل ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات.