المحرر السياسي - رفعت القمة الإفريقية الـ38 التي عُقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤخرًا، من سقف التوقعات المطلوبة من القمة العربية التي كان من المقرر عقدها نهاية الشهر الجاري في القاهرة وأجلت، بعد أن سطّرت الدول الإفريقية موقفًا تاريخيًا مشرفًا تجاه القضية الفلسطينية التي تصدّرت جدول أعمالها.

قادة الدول الإفريقية، اتهموا الكيان الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ودعوا إلى محاكمته ومحاسبته، وأعلنوا وقوفهم بحزم أمام مخطط تهجير الشعب الفلسطيني، ورفضهم القاطع لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية. كما دعوا إلى مقاطعة جميع أشكال التعاون مع كيان الاحتلال، وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة فورًا.

الموقف العربي بين التحدي والاستجابة

في الوقت ذاته، أعلنت القاهرة تأجيل القمة العربية التي كان من المفترض عقدها نهاية الشهر الحالي حتى الرابع من آذار القادم. وبرّر الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، أسباب تأجيل القمة بـ"اعتبارات لوجستية مرتبطة بجداول قادة الدول العربية"، في محاولة منه -فيما يبدو- للرد بطريقة دبلوماسية على رفض بعض القادة العرب حضور القمة، كما تردد في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا التأجيل جاء في وقت حساس للغاية، حيث يتابع الشارع العربي ما يحدث في غزة بعين الغضب والترقب، متسائلًا: هل ستتمكن القمة المقبلة من اتخاذ قرارات تعكس الإرادة الشعبية العربية؟ أم أنها ستكون مجرد لقاء دبلوماسي آخر لا يتجاوز حدود البيانات والتصريحات المعتادة؟

القمة الإفريقية.. درس في الشجاعة السياسية

لقد أثبتت القمة الإفريقية أن الإرادة السياسية القوية قادرة على فرض المواقف واتخاذ قرارات حاسمة تتجاوز المصالح الضيقة. فالدول الإفريقية، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها، استطاعت أن تتوحد خلف موقف واضح يدين الاحتلال الإسرائيلي، ويطالب بتحركات دولية فعلية، بل ويدعو إلى مقاطعة الكيان الصهيوني بشكل عملي.

هذا الموقف الافريقي التاريخي، يضع القمة العربية أمام اختبار تاريخي أيضًا، فهي مطالبة اليوم باتخاذ قرارات تُترجم فورًا إلى مواقف تلبي طموحات الشعوب العربية، التي تغلي غضبًا بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها كيان الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. كما ينبغي أن تعكس هذه القرارات حجم التحديات الوجودية التي تمر بها الأمة العربية، من محيطها إلى خليجها.

المسؤولية التاريخية للعرب

إن الدول العربية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى في تاريخها، بتحمل مسؤولياتها القومية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لأخطر وأخبث مخطط يهدف إلى تهجيره من وطنه واجتثاث مقاومته وتصفية قضيته برمتها. ولم يعد الصمت خيارًا، ولم تعد البيانات الدبلوماسية كافية، فالشعوب تطالب بمواقف عملية، تبدأ بقطع العلاقات مع الاحتلال، وفرض عقوبات اقتصادية عليه، ودعم المقاومة الفلسطينية بكل السبل الممكنة.

كما أن الدول العربية مطالبة بخلع ثوب الخنوع والتبعية، وعدم التعامل مع غطرسة الرئيس ترامب وعنجهيته وكأنها قدر محتوم لا يمكن مواجهته أو مجابهته. فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، وربما تكون هذه "القمة" بمثابة "القشة" التي ستقصم صمت الشعوب العربية، التي طفح كيلها واستُنزفت جميع خزانات صبرها وقهرها.

هل تكون القمة المقبلة نقطة تحول؟

وبين التأجيل والضغوط السياسية، يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح القمة العربية المقبلة في تقديم رؤية جديدة وحاسمة للقضية الفلسطينية؟ أم أنها ستكون كسابقاتها مجرد اجتماع شكلي لا يرقى إلى حجم التحديات؟

الكرة اليوم في ملعب القادة العرب، والتاريخ يسجل، والشعوب تراقب، ولن يكون الصمت هذه المرة مقبولًا ابدا!

.