المحرر السياسي - كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الوجه القبيح للسياسة الأمريكية العنصرية المتطرفة، التي كانت تتجمل بثياب الديمقراطية، وتتغنى بالحرية والمساواة وقيم العدالة الغربية الزائفة، ووضع العالم كله أمام الحقيقة الأمريكية المجردة، بأن العم سام، الذي ظل يزعم أنه يقود العالم نحو الحرية والعدالة، وهو في حقيقته  التعبير الادق لنقيض العدالة و حارس بوابة الظلم والاستبداد والاستعباد  .. 

ترامب أماط اللثام عن وجه بطل الكاوبوي الأمريكي الحقيقي البشع، الذي طالما أظهرته الأكذوبة الهوليوودية على أنه المحارب الوسيم الشجاع الباحث عن الحق والعدالة، بينما هو في حقيقته مجرمًا مطلوبًا للعدالة، اقتات على أشلاء الهنود الحمر، الذين استأصلتهم وأبادتهم الحضارة الغربية وديمقراطيتها الكاذبة.

لقد فضح ترامب نفاق النظام السياسي الأمريكي، الذي طالما تدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما هو يغرق في الداخل بالعنصرية والاستبداد ومحاباة رأس المال على حساب الفئات المهمشة.

سياسات ترامب الفاشية غير مقتصرة لأغراض التصدير إلى الخارج فقط، فالداخل الأمريكي بدأ يكتوي بنيرانها، ويدفع فاتورتها، وربما لن تصبح "دولة الحلم" قادرة على تحمل كلفتها، فالرئيس المفرط بتطرفه وحماسته يحكم البيت الأبيض اليوم بنزعة شمولية دكتاتورية كاملة الدسم، وبات يرسخ حكمًا استبداديًا ربما لم تشهده الإدارة الأمريكية في تاريخها، ما يطرح أسئلة خطيرة حول مصير اللعبة الديمقراطية الأمريكية، التي أضحت تتآكل تحت وطأة الطاغية الذي عاد لينتقم بشراسة من "أعداء الداخل" قبل حلفاء واعداء الخارج !

إن أخطر ما تفرزه الحقبة الترامبية الثانية على الداخل الأمريكي، يتجلى بتغذية الانقسامات الداخلية بشكل غير مسبوق، حيث أصبح الأمريكيون أكثر استقطابًا من أي وقت مضى، وانقسمت البلاد إلى معسكرين متصارعين: أحدهما يرى في ترامب مخلصا ومنقذًا وبطلًا يعيد "عظمة امريكا" بصرف النظر عن الفاتورة الاخلاقية التي ستُدفع.. والآخر يعتبره تهديدًا وجوديًا للديمقراطية. ومع هذا التمزق الاجتماعي العميق، بات السؤال مطروحًا: هل تستطيع الديمقراطية  الأمريكية النجاة من المد الاستبدادي الحاكم، وما هي المخاطر الوجودية على امريكا كدولة، وكيان، بعد أن ادخلها ترامب في مغامرة كبرى  غير محسوبة العواقب !؟ 

النزعة الشعبوية الاستبدادية الترامبية لا تتوقف عند حد. فمن شيطنة معارضيه والتحريض علانية ضدهم، وتصفية حساباته السياسية معهم، إلى تعزيز الولاء الشخصي له على حساب المؤسسات الأمريكية، والسعي إلى تجميع السلطة التنفيذية لصالحه من خلال تعيين الموالين وتوسيع سلطته في توظيف وفصل موظفي الحكومة الفيدرالية، إلى معاداته الصحافة ووسمها بأنها "عدوٌّ للشعب"، كلها، وغيرها، أصبحت تعمق الاستقطاب السياسي الأمريكي، وتهدد التقاليد الديمقراطية التي تقوم، وفقًا لقوانين اللعبة، على الحوار والتعددية.

 الأنكى من ذلك، تمثل بصعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، الأمر الذي يشير إلى أن "الترامبية" ليست مجرد مرحلة سياسية، بل اتجاه عالمي متصاعد يهدد القيم الديمقراطية ويعيد العالم إلى عصور الظلام والاستعمار والحروب الدينية .

المنظمات الامريكية للحريات وحقوق الإنسان التي كانت تصدّر "سلعة" الديمقراطية الأمريكية إلى دول العالم  المتخلفة،   واقعة اليوم في ورطة معرفية وقيمية واخلاقية عميقة ، فقد أصبحت اليوم وعبر الكثير من الشواهد والممارسات الشائهة والشاذة تعاني من ذات المنظومة المتغولة على الحقوق والحريات ،بعد ان كانت تعتقد ان مجتمعاتها و انظمتها السياسية كانت تمثل وتعبر عن الحالة المثلى من احترام هذه الحقوق والحريات  ! اليوم  نرى سطوة الاستبداد وهي تسحقها، وربما يأتي عليها يوم وتنضم إلى دول العالم الثالث في جمعيات "الرفق بالإنسان" واحترام حقوقه الاساسية وحرياته العامة والخاصة  !

المفارقة الكبرى، أن الولايات المتحدة التي كانت تتفاخر بكونها "زعيمة العالم الحر"، أصبحت في نظر العالم باسره زعيمة الاستبداد و راعية الاحتلال وشريكة بكل ما يرتكبه من موبقات وجرائم وابادة ومحارق، دولة ترزح تحت وطأة تيار انقلابي ادار ظهره للقيم الانسانية والحقوق الاساسية والقانون الدولي ، الولايات المتحدة لم تعد النموذج الديمقراطي الذي يطمح الآخرون إلى تقليده. وربما تكون هذه الحقبة بداية أفول الإمبراطورية الأمريكية!

والسؤال الذي يبحث أيضًا عن إجابة: هل تستطيع أشرعة المؤسسات الديمقراطية الليبرالية الأمريكية من الصمود أمام الإعصار الترامبي الشعبوي الاستبدادي الإقصائي الجارف، أم أن أمريكا بعد ترامب لن تعود كما كانت قبله؟
.