معاريف * 

مرّ أسبوعان فقط على بدء ولاية دونالد ترامب الثانية رئيساً للولايات المتحدة، وبدأ فعلاً بتصدُّر العناوين، صباحاً ومساءً، بأفكار غير تقليدية. ينظر الرئيس الأميركي إلى قطاع غزة من وجهة نظر رجل عقارات، ويتخيل منتجعات فخمة على طول شواطئ بحر القطاع الجميل.

هناك عدة عوائق تقف أمام الرؤية التجارية، يجب إزالتها: أطنان من الردم، وبيوت مدمرة، ونحو مليونَي فلسطيني. ولأن الدمار الواسع في القطاع لا يسمح بظروف حياة لائقة، تم إيجاد طريقة لتسويق التطهير العرقي بغلاف أخلاقي: هجرة إنسانية. فطبعاً، ليس إنسانياً أن تسمح للبشر بالحياة في هذه الظروف.

إن فكرة تهجير سكان غزة ليست فقط غير أخلاقية، بل أيضاً غير عملية. فالرجل الذي لم يبنِ الجدار الذي وعد ببنائه خلال ولايته الأولى على الحدود المكسيكية، لن ينجح أيضاً في نقل مليونَي فلسطيني من غزة، وفي إيجاد بلد مستعد لاستقبالهم. لكن، على الرغم من أن الفكرة ليست إلّا كلمات فارغة، فإن الضرر الناتج من تداولها كبير جداً.

إن خطة ترامب بشأن التهجير الإنساني تعيد إحياء فانتازيا التهجير لدى كثيرين من الجمهور الإسرائيلي، وتخلق أوهاماً بحلّ بسيط للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. إن مجرد طرح الفكرة يخلق أوهاماً بأنه من الممكن التخلص من الأزمة عبر إعادة توطين مجتمع كامل (ريلوكيشن). عملياً، إن نشر الفكرة، بحد ذاته، يعزز الصراع، ويؤجل البحث عن حلول واقعية.

..
إن أفكاراً، مثل التهجير، أو بكلمات منمقة "الهجرة الطوعية"، تعزز الأمل بأنه يمكن إيجاد حلّ بالقوة يفرضه طرف واحد، بدلاً من التوصل إلى فهم، مفاده بأن الحلّ الحقيقي يتطلب تنازلات وقبولاً لوجود الآخر.

لذلك، وبعكس هدف ترامب المعلن - إنهاء الصراع - إن مجرد طرح فكرة الترانسفير يجعل المشكلة أكبر. وعندما يصطدم هذا الأمل الكاذب بالواقع، فسيؤدي إلى حمام دم إضافي للشعبين...

إن خيبة الأمل من الوهم الذي يروّجه كلٌّ من نتنياهو وترامب، يمكن أن تقود إلى اليأس والبحث عن حلول أكثر عنفاً. والأحاديث الفارغة عن التطهير العرقي ستُبعد إسرائيل عن الاتفاق مع السعودية، وبدلاً من أن تقود ترامب إلى جائزة نوبل للسلام، وهو يملك في جعبته اتفاقيات سلام إضافية، ستقوده إلى لاهاي، كمجرم حرب.

هذه الفكرة تعزز الدعاية (البروباغاندا) ضد إسرائيل، وتعزز أيضاً قوة الجهات المتطرفة في المنطقة، وتُضعف الدول العربية المعتدلة، كما تبعد الحل السياسي الذي لا بديل منه.


* جلعاد هيرشبرغر
.