كتب احمد عبدالباسط الرجوب
في مشهدٍ يعكس تحولاتٍ جيوسياسية عميقة، شهد البيت الأبيض يوم أمس لقاءً متوترًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كشف عن شرخٍ متزايد في التحالف الغربي، وألقى الضوء على إستراتيجية أمريكية جديدة قد تُعيد رسم خريطة القوى العالمية. هذا اللقاء ليس مجرد حدث عابر، بل هو جزء من سياق أوسع يتعلق بتفكك الهيمنة الأمريكية التقليدية، وصعود تحالفات جديدة تضع روسيا في قلب المعادلة.
تفاصيل اللقاء: صدام الإرادات وتهديدات بالانسحاب
تصاعدت حدة المواجهة بين ترامب وزيلينسكي منذ اللحظات الأولى للقاء، حيث اندفع ترامب في انتقادات لاذعة لسياسة كييف، واصفًا رفضها وقف إطلاق النار مع روسيا بأنه "استفزاز غير محترم"، ومهددًا بقطع الدعم الأمريكي ما لم توقع أوكرانيا على اتفاقية لتصدير المعادن. من جهته، حاول زيلينسكي تقديم شكره العلني لواشنطن، لكنه طالب بضمانات أمنية واضحة، وهو ما رفضه ترامب، مما أدى إلى مغادرة زيلينسكي المبكرة وإلغاء المؤتمر الصحفي المشترك.
التداعيات المباشرة: انقسامات داخلية وقلق أوروبي
- البيت الأبيض: انقسم المشهد السياسي الأمريكي بين من رأى في تصرف ترامب "تخليًا عن الحليف التاريخي" (كما وصفه السيناتور مارك كيلي)، وبين من اعتبره خطوة جريئة لوقف "الحروب اللامتناهية".-
- الاتحاد الأوروبي: بدا القادة الأوروبيون مرتابين من تراجع الدعم الأمريكي، ما قد يدفعهم لتعزيز دورهم العسكري والاقتصادي في أوكرانيا، خاصة مع تصاعد المخاوف من استغلال بوتين لهذا الخلاف.
- الكريملين: وجدت موسكو في الحدث فرصة ذهبية لتأكيد سرديتها عن "ضعف الغرب"، حيث علق أحد محللي الكريملين: "الخلاف الأمريكي-الأوكراني يُثبت أن النصر الروسي مسألة وقت".
النظام العالمي في مهب التحولات: من الهيمنة إلى الثنائية القطبية
لا يقتصر الصراع على أوكرانيا، بل هو جزء من تحولات كبرى تشهدها الولايات المتحدة:
1. تفكيك الأمم المتحدة: تتصاعد الدعوات داخل الكونغرس لتقليص التمويل الأمريكي للمنظمة الدولية (18 مليار دولار سنويًا)، في خطوة قد تُسرع من إعادة هيكلة النظام الدولي.
2. تحالف ترامب-بوتين: يشير التقارب الأمريكي-الروسي إلى احتمال تشكيل محور جديد يُعيد إنتاج نظام الحرب الباردة، لكن بثنائية غامضة تسمح بتبادل المصالح بدل المواجهة المباشرة.
3. الصين والملكيون الإنجليز: بينما تراقب بكين المشهد بحذر، تبرز نخب بريطانية تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي عبر مؤسسات مثل الكومنولث، في محاولة لاستعادة النفوذ التاريخي.
ترامب وإعادة هيكلة الدولة العميقة: حرب على البيروقراطية
مع عودة ترامب للسلطة في 2025، بدأت إدارته حملة غير مسبوقة لإعادة هيكلة المؤسسات الفيدرالية، بقيادة راسل فوت مدير الميزانية الجديد في خطوة تهدف إلى إحداث تحول عميق في هيكل المؤسسات الفيدرالية ، ومن الملفات المثيرة للجدل، ما يتم تداوله حول دور ترامب في إعادة تنظيم المؤسسات الأمريكية بالتعاون مع رجال أعمال مثل إيلون ماسك. تصريحات ترامب الأخيرة عن الفساد المستشري داخل الولايات المتحدة، وطريقة توزيع الأموال الأمريكية في العالم، تفتح الباب أمام تغييرات قد تكون جذرية في الإدارة الأمريكية.
وكشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن خطط طموحة وغير مسبوقة يقودها فوت لإعادة تشكيل أسس الحكومة الأمريكية. شملت هذه الخطط إلغاء الحماية الوظيفية لآلاف الموظفين الفيدراليين، تجميد التعيينات الجديدة في المؤسسات الحكومية، وإجراء مراجعة تفصيلية لكل سطر من الإنفاق الفيدرالي لضمان عدم تمويل برامج تتعارض مع رؤية ترامب.
الخاتمة:
- اللقاء بين ترامب وزيلينسكي لم يكن مجرد مشادة دبلوماسية، بل هو مؤشر على زلزال جيوسياسي قد يُنهي عصر الهيمنة الأحادية للغرب. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل ستنجح أمريكا في التحول إلى "قوة شراكة" دون فقدان نفوذها؟ أم أن العالم مقبل على نظامٍ دولي جديد تُقسَّم فيه الكعكة بين تحالفات متعددة، حيث تُصبح موسكو وبكين لاعبين مركزيين؟ الإجابة قد تحددها الأشهر القادمة، لكن المؤكد أن النظام الليبرالي الذي قادته واشنطن لعقود لم يعد كما كان.
- العالم مقبل على تغييرات كبرى، وقد يكون لتفكيك الأمم المتحدة وإعادة تشكيل التحالفات الدولية دور محوري في تحديد مستقبل النظام العالمي. السؤال الأهم الآن: هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على التأقلم مع هذه التحولات، أم أن دورها كقوة مهيمنة يقترب من نهايته؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير.