كتب زكي بني ارشيد - 

في احدى فصول الرواية الاميركية الجديدة ( ألف ليلة وليلة ) من ليالي الحكم الجديد في أميركا، تنقلب فيها الموازين وتختل فيها الضوابط والمعايير ، ويصبح الرئيس الروسي الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جريمة حرب متمثلة في ترحيل مئات الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا، يصبح الرجل في نظر الزعيم الاميركي ترامب رجل دولة ويسعى لتحقيق السلام !!! وينقلب الرئيس الاوكراني زيلنسكي من بطل شجاع إلى رجل مغامر وفاقد للشرعية ولا يعرف مصلحة شعبه ، هذا المنطق هو الذي يترسخ في المرحلة الأميركية الجديدة ، إضافة إلى تعمق حالة الانقسام الداخلي وتظهير خطاب الحقد والكراهية ما يعني ان الولايات الأميركية لم تعد متحدة وانها بدأت رحلة الانقسام داخلياً والعزلة الدولية خارجياً ، اللافت للنظر ليست الحقبة الترامبية التي توقفت عن الدفع للزمار وتحولت إلى حارس على ابواب جهنم وجابي ضرائب مدجج بالبطش والتهديد بدات تفرض ايقاعها على كل المستويات بسرعة انحدار ملحوظ وتفقد مكانتها في كسب العقول والقلوب ، وعلى هامش هذا المشهد برزت حالة اجتماعية تصفق للجديد مهما كان هزيلاً أو كارثياً ،هؤلاء هم أنفسهم الذين صفقوا لاميركا باعتبارها زعيمة العالم الديمقراطي الحر والمدافعة عن حقوق الإنسان، هم الذين أثار اعجابهم موقف اميركا الأخلاقي بتأييد أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي على أراضي وسيادة أوكرانيا، هم وليس غيرهم الذين مجّدوا موقف الرئيس الأمريكي السابق (جو بايدن ) دعمه للرئيس الاوكراني زيلينسكي ، وهم الذين صفقوا مع اعضاء الكونجرس الاميركي للرئيس الاوكراني باعتباره الرئيس الديمقراطي المنتخب الشاب الشجاع الذي صمد في مواجهة غطرسة وعدوان الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) ، هؤلاء هم الذين هاجموا من كان في نظرهم البطل ( زيلينسكي ) الذي حطم غرور بوتين وأنهى أحلام الديكتاتور باستعادة الامبراطورية السوفيتية، لهؤلاء أوجه السؤال اي الموقفين هو الصحيح ؟ موقف اميركا التي فرضت عقوبات قاسية ضد روسيا دعماً للنضال الاوكراني ؟ أم موقف اميركا التي تخلت عن أوكرانيا لتقع فريسة بين وحشين مفترسين ، الدب الروسي من جهة والفيل الأميركي الطامع بثرواتها من جهة أخرى؟ وما هو سبب الانقلاب في الموقف بشكل كامل ؟

من الطبيعي ان يغير الإنسان رأيه عندما يتبدى له خطأه أو سوء تقديره، لأن الموتى والحمقى هم الذين لا يغيرون رأيهم، حسب (إرنست همينغوي)، ولكن من غير الطبيعي أن ينقلب الإنسان على ذاته مسايرة لغيره أو مجاراة لنظرية الواقعية التي تعني الاستسلام لما هو سائد وقائم وعدم الإيمان بما هو صاعد وقادم ، التغيير الايجابي هو الانتقال إلى الأفضل وليس إلى الاسلم ، ذلك أن جوهر حركة الإصلاح على مدار التاريخ تكمن في مواجهة الواقع وليس الانحناء له.

تقديراً للذات واحتراما للعقل فإن ثمة منطق آخر يخضع لمعنى قيمة الحرية والتحرر في الحياة، وحركة الإصلاح والتغيير تحتاح بالضرورة إلى تضحيات في مقابلة الباطل ومواجهة سدنة الواقع وحراس المألوف والموروث.

.