لطالما سمعنا الخطابات الرنانة عن الأوطان والأنتماء، ورأينا الشعارات تملأ الشوارع، والأغاني الوطنية تصدح في المناسبات في المجتمعات البشريه على إختلاف مشاربها، ...لكن هل تكفي هذه الوسائل وحدها لصناعة الانتماء الحقيقي لحب الأوطان ؟ هل يمكن للمواطن أن يشعر بالوطنية وهو يُعاني الفقر والبطالة وغياب العدالة؟ أم أن الإنتماء يتشكّل عندما يصبح الوطن بيئة تحقق له كرامته وحقوقه؟ فالحق, والحق أقول أن حقوق المواطن على وطنه (أينما كان)هي الأساس الذي يُبنى عليه حُب الوطن ويجعله يشعر بالانتماء الحقيقي له، حيث لا يكفي مجرد حمل الجنسية دون توفير بيئة تضمن له العيش بكرامة ومساواة.
فالوطن ليس مجرد قطعة أرض نولد عليها، ولا مجرد علم يُرفع أو نشيد يُنشد، بل هو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بالأمان والكرامة والعدالة، حيث يتمكن من بناء مستقبله دون خوف أو إحباط. لا أحد بالكون اجمع يختار المكان الذي يولد فيه، لكن الجميع يبحث عن المكان (الموطن )الذي يحقق فيه ذاته ويشعر فيه بمواطنته فيمنح ذاك المكان نفسه . كيف يُطلب من الإنسان أن يحب وطنًا لا يجد فيه ما يحفظ كرامته؟ كيف يُفرض عليه الولاء لوطن لا يوفر له العيش الكريم ولا يمنحه فرصًا عادلة للحياة؟
ومما إ عتاده البعض عليه في الأوطان الاستقواء على المواطن والمزاودة عليه في إلقاء الخطب الحماسية الرنانه عن حُب الوطن والتضحية من أجله...، لكن الكلمات المعسوله وحدها لا تُطعم لقمةً لجائع، ولا توفر علاجًا لمريض، ولا تؤمّن مُستقبلًا لطفل بائس محروم من التعليم. ألوطنية ليست سلعة تُباع في الدكاكين ولا دواء يباع في الصيدليات، ولاصَبغة تُصبغ بها ألنفوس ولا حليب يرضعه المواطن في طفولته ليكبُر مُغرمًا بوطنه دون أسباب. لا يمكن للإنسان أن يشعر بالولاء لِمجرد سماعه خطابات جوفاء، بينما يواجه واقعًا قاسيًا لا يمنحه ألحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.
المواطن لا يحتاج إلى دروس في الوطنية ولا تنفعه هوسة دبيكه .. أو زغروتة نشميّه ، بل يحتاج إلى وطن يمنحه حقوقه الأساسية ويمنحه دفء المواطنه بالعيش بكرامه ...بفرصة عمل .. ورعايه صحيه ...ومستوى معيشي يحرره من الحاجة والاستجداء على ابواب المتحكمين بأرزاق العباد.
المواطن بحاجه إلى المساواه أمام القانون إذ لا انتماء في ظل التمييز للبعض ...
المواطن ليس بحاجه لمواويل الفنانين المتنفعين بأسم الوطنيه ولا لمطاعيم الأنتماء التي يوخزه بها المتسلّقين أدراج السلطه ..ودعاة الأنتماء ....بل هو بحاجه للحريه والحماية من النخب والمتسلطين ...بحاجة أن يرفع صوته... وألا تظل السلطة في يد فئة قليلة متسلطه متنفّذه تستأثر بالثروات والمقدّرات بينما يُطلب من الشعب الصبر والتضحية.
المواطن بحاجه أن يُخلّوا بينه وبين وطنه ... ولا يُخوّنوه إن قال رأيه.. ولا يقوّلونه مالم يقل ...وليعلوا صوته... وليقل مايقل .. وليعتب على من يشاء بعفويه المُحب الذي يدفع من دمه وعرقه ... للِّحاق برغيف عيشه ألفار منه فرار ألفريسة من الأسد.
إن أخطر ما يهدد الإنتماء( النفاق السياسي والوطنيه الزائفه القابعه في داخل المتنفذين المتنفعين ) وهو استغلال مفهوم الوطنية لخدمة مصالح شخصية، حيث يطالب البعض الفقراء بالتضحية من أجل الوطن، بينما هم ينعمون بخيراته . المواطن يرى كيف تتحكم قلة قليلة في مقدرات البلاد، بينما تُطلب منه التضحيات دون مقابل. كيف يُنتظر منه أن يشعر بالإنتماء لوطن لا يمنحه حقوقه، بينما يرى الفساد والمحسوبية تسري به وتنهش في جسده المنهك.
الانتماء الحقيقي ليس بكتاب يُقرأ ,ولا يُفرض ولا يُشترى، بل يُبنى عندما يشعر المواطن بأن وطنه يحميه ويوفر له حياة كريمة. عندما يجد المواطن فرصة عمل تحميه من العوز، وعندما يشعر بأن صوته مسموع وأن العدالة تُطبق على الجميع، عندها فقط سينتمي لوطنه دون أن يُطلب منه ذلك. الوطنية ليست أمرًا يُفرض بالقوة أو التلقين، بل هي شعور طبيعي ينمو عندما يكون الوطن بيتًا آمنًا للجميع، لا مزرعة لفئة قليلة على حساب الأغلبية المسحوقه.
نهاية القول، الوطن ليس مجرد أرض ولدنا فيها ونعيش عليها ، بل هو المكان الذي يمنحنا الأمن والعدالة والكرامة. وحين يفشل الوطن في تحقيق ذلك، فإنه يصبح مُجرّد مكان للعيش(بغربة فيه)، لا للإنتماء.