كتب نورالدين نديم -
اهتزّت كل منظومة التعليم وتعرّت كل مخطّطات وزارة التربية والتعليم الأردنيّة التي تدّعي تطوير وتحديث وتأهيل بيئة التعليم وجعلها تنافس مستويات عالمية في الأردن.
كل تلك الخطط والمزاعم والإدعاءات انهارت مع ما تعرض له الطفل محمد (11 عامًا) في مدرسة خالد بن الوليد التابعة لمديرية التربية والتعليم في لواء الرصيفة.
طفل داخل غرفة صفيّة من المُفترض أن يحظى فيها بالتعليم الآمن، يتعرّض له زميلاه بالحرق المتعمّد!!
أيّ رعبٍ عائشه "محمد" في تلك اللحظات؟!، وماذا جال في خاطره؟.. وكيف سيعود زملاءه إلى غرفهم الصفية وهم ينظرون لعجز المدرسة بجميع كادرها عن حمايتهم من سلوكيات مريضة، هي ناتج طبيعي لمناهج مشوّهة، ونظام تعليمي عاجز.
حالة الاستنكار والغضب التي يعيشها وعبر عنها عموم المواطنين والإعلام لا تكفي إن كانت مجرد زوبعة ما تلبث أن تهدأ بعد شهور، ولكن ما نحتاجه أن تتحول هذه الحالة من الغضب إلى فعل نافذ بإعادة بناء منظومة التعليم وتحطيم جميع أصنامها التي ما صنعت سوى جيل مشوّه تربويّاً وثقافيّاً ومُجتمعيّاً.
ليست مجرٌد حالة عنف عابرة، وليست مجرّد حالة فرديّة، فلو فتحنا المجال لدراسات استقصائية ذات صلاحية لوجدنا من العنف والتحرش والتشوه التربوي داخل مدارسنا ما تشيب له الولدان، ولكن من يجرؤ؟!
كالعادة حادثة تثير زوبعة ما تلبث أن تهدأ، وتعبر وزارة التربية والتعليم فيها -كسابقاتها- عن استنكارها الشديد للحادثة، وتقرر تشكيل لجان تحقق وتحقيق في الحادثة، وتؤكد أنها ستتخذ كافة الإجراءات لمحاسبة المقصرين من العاملين في المدرسة..الخ.
ويحضر الوزير ويرافقه كادر كبير يتدافع بين يديه، كلهم يسعى ليظهر في الصورة ويتصدر خبر الإنجاز بالوعيد والتهديد؛ أمّا الحقيقة وما تخفيه الصورة في ظلالها، هو أن ذلك كله للإفلات والتنصل من المسؤولية ومن تحمل تبعات الحادثة وانعكاساتها على مواقعهم.
الحادثة ليست عاديّة ولا يفترض أن تكون، ويجب أن تكون شرارة إشعال التغيير الحقيقي لمنظومة التعليم بمناهجها وكوادرها، بسياساتها واستراتيجياتها، بشكل المبنى المدرسي وسياساته الأمنية وتعليمات الانضباط المدرسي وقدرته على تكوين رادع لدى الطلبة.
نعم الحادثة ليست عادية، وعلى قدر ما تثير من تساؤلات حول حقيقة ما يجري داخل أسوار مدارسنا من عنف بدني تُخفيه عن الظهور تهديدات بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى من ذات كوادر المدرسة، أو حتى الأهالي أنفسهم، خشية الفضيحة أو سوء تقدير لحجم المشكلة، أو لما يتم من مراضاة "وبوس لحى"؟!!!
على قدر ما أظهرت حقيقة لا يمكن انكارها، وهي أن التنمر والعنف بين الطلاب في المدارس قد أصبح مشكلة حقيقية وهي آخذة في التزايد، وتهدد أمننا وسلمنا المجتمعي.
تؤكد الدراسات النفسية إلى أن هذا الكم من التنمر والاعتداءات الجسدية واللفظية تؤثر سلبًا على نمو الطالب وبنائه الاجتماعي والنفسي، والذي ينعكس حتمًا على بنائنا المجتمعي، ونقطفه تراجعًا على كافة الصعد والمستويات، كما نراه في واقعنا المُعاش الآن.
إن حادثة حرق طفل داخل مدرسة في وضح النهار وعلى يد أطفال، وخلال دوام جميع كوادر المدرسة، تعد جرس إنذار للجميع حول ضرورة التصدي لحجم التشوه في بناء منظومة التعليم، والمحتوى المقدم في مناهجنا، واغفال جانب التربية في مهام المعلم وتأهيله المسلكي والنفسية والمهني.
وجبت الدعوة لمؤتمر وطني لإنقاذ التعليم، وتشكيل لجنة ملكية لتحديث منظومة التعليم وإصلاحها، تكون نافذة المخرجات، مضمونة استدامة التنفيذ نحو الإصلاح والتحديث، إن كنا حريصين بالفعل أن تكون مدارسنا بيئة تعليمية آمنة تحترم حقوق الأطفال وتضمن سلامتهم، وتخرّج للوطن أجيال قادرة على النهوض به وحمايته.
.