قال محللون وباحثون إن الرفض الأمريكي-الإسرائيلي للخطة العربية لإعمار غزة يضع المنطقة أمام تساؤلات جوهرية حول المرحلة المقبلة، خاصة في ظل غياب آليات تنفيذية تضمن فرض المبادرة عربيًا أو دوليًا.

فمع استمرار الاحتلال في فرض رؤيته القائمة على التهجير والتوسع، وعدم وجود استجابة أمريكية لأي حلول عربية، يبقى السؤال: ما هي خيارات الدول العربية لمواجهة هذا الرفض؟ وما الأدوات التي تملكها للضغط على واشنطن وتل أبيب؟

الحسابات السياسية والاقتصادية

أكد المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس” للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري، أن العالم العربي غير قادر على اتخاذ موقف حقيقي تجاه الرفض الأمريكي - الإسرائيلي، ليس بسبب نقص الإمكانيات، بل نتيجة الحسابات السياسية والاقتصادية التي تجعل معظم الحكومات العربية عاجزة أو غير راغبة في المواجهة.

وأوضح العنجري في حديث مع "قدس برس" أن أي تصعيد عربي سيبقى في إطار الشعارات، بينما تمضي إسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذ أجنداتهما دون تهديد فعلي من الجانب العربي.

وأضاف: "طوال العقود الماضية، اعتمدت الدول العربية على إدارات أمريكية أكثر عقلانية تأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية وتحافظ على الحد الأدنى من التفاهمات مع الحلفاء العرب، لكن إدارة ترامب قلبت هذه المعادلة تمامًا، إذ تبنّت نهجًا مباشرًا لا يكترث بردود الفعل العربية، مستندة إلى قاعدة شعبية يمينية لا ترى مصلحة في مراعاة الدول العربية”.

وتابع أن الضغوط الأمريكية المتزايدة على الدول العربية لإجبارها على قبول واقع استيطاني وحلول سياسية مجحفة لا يمكن مواجهتها بردود فعل تقليدية أو شكلية، بل يجب إرسال رسالة واضحة بأن الإملاءات الأمريكية لها عواقب، وأن المصالح العربية ليست مسألة هامشية بلا ثمن سياسي.

وأشار العنجري إلى أن هذا الوضع يضع الدول العربية، لا سيما مصر والأردن، في مأزق استراتيجي، متسائلًا: "هل يجب عليهما الالتزام بمسار دبلوماسي طبيعي في ظل سياسات أمريكية غير طبيعية؟ بالطبع لا، فالطلب الأمريكي نفسه استثنائي وغير عقلاني”.

وتساءل العنجري: "هل تملك عمّان والقاهرة خيار تخفيض تمثيلهما الدبلوماسي مع إسرائيل ردًا على الرفض الأمريكي-الإسرائيلي للخطة العربية؟”، معتبرًا أن لهذه الخطوة مزايا، لا سيما على المستوى الشعبي، حيث ستمنح الشارعين المصري والأردني شعورًا بأن حكومتيهما تستجيبان لغضب الجماهير وترفضان الإملاءات الأمريكية غير العادلة، مما قد يخفف مؤقتًا من الضغوط الداخلية. كما رأى أن خطوة كهذه قد تشكل سابقة سياسية تدفع دولًا أخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، مما يعيد شيئًا من الاعتبار للنظام العربي المستند إلى الشرعية الشعبية.

لكن العنجري حذّر من أن غياب الضمانات لتحقيق مكاسب استراتيجية، وعدم وجود دولة عربية قادرة على تعويض نقص الدعم الأمريكي دون مواجهة عقوبات، يجعل مثل هذه الخطوة غير واقعية. واعتبر أن أي تصعيد ضد إسرائيل دون بدائل استراتيجية واضحة سيكون محفوفًا بالمخاطر الاقتصادية والسياسية، مما قد يهدد استقرار الدول المعنية أكثر مما يضغط على تل أبيب وواشنطن.

وختم العنجري حديثه بالتأكيد على أن العالم العربي يفتقد الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات حاسمة، حيث يبقى مكبّلًا بمعادلات اقتصادية وأمنية تحدّ من قدرته على المناورة، وهو ما يجعل ردود فعله محصورة في نطاق المواقف الدبلوماسية والتصريحات السياسية، دون تأثير فعلي على أرض الواقع.

فيتو عربي

أكد الباحث في العلاقات الدولية، أدهم أبو سلمية، أن أبرز ما تضمنته الخطة العربية هو رفض تهجير سكان غزة، مما يجعلها بمثابة "فيتو عربي” في مواجهة الرؤية الأمريكية التي تقوم على التهجير كحل للأزمة.

و أشار أبو سلمية إلى أن الخطة تفتقر إلى آليات تنفيذية تضمن تطبيقها في حال الرفض الأمريكي والإسرائيلي، وهو أمر متوقع، وقد حدث فعليًا فور الإعلان عن المبادرة.

وأوضح أن نجاح الخطة يبقى مرهونًا بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، إذ لا يمكن تطبيقها دون غطاء سياسي دولي. وأضاف: "في تقديري، موافقة حركة حماس على الخطة قد تكون خطوة تمهيدية لمناقشات المرحلة الثانية من صفقة وقف إطلاق النار، خاصة أن الاحتلال يصرّ على استبعاد حماس من أي سلطة مستقبلية في غزة، بينما تقترح الخطة تشكيل لجنة إدارية من تكنوقراط ومستقلين لمدة ستة أشهر تحت إشراف السلطة الفلسطينية أو الحكومة.”

وشدد أبو سلمية على أن حماس تدرك مسبقًا رفض الاحتلال للخطة، لكنها تسعى إلى تفويت الفرصة عليه ونزع أي مبررات قد يستغلها لمواصلة عدوانه، لذا سارعت بقبول المبادرة رغم وجود تحفظات، أبرزها بند نشر القوات الدولية، إلا أنها رأت أن الأولوية تكمن في كسب التأييد العربي والدولي.

وتساءل: "إذا رفض الاحتلال الخطة، فما هي الإجراءات التي ستتخذها الدول العربية؟ هل سيكون مصير هذه المبادرة شبيهًا بمبادرة السلام العربية التي وُئدت عقب عملية السور الواقي عام 2002؟ أم أن الأنظمة العربية تملك الإرادة والقدرة على فرض خطتها؟”

وأضاف أن جدية الأنظمة العربية في فرض "الفيتو” على التهجير ستتجلى من خلال قدرتها على ممارسة ضغوط فعلية عبر المجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن إدراج حماس ضمن المرحلة الثانية قد يسهم في تقويض ذرائع الاحتلال.

وختم بالقول: "إذا اقتنعت الولايات المتحدة بالخطة، فهناك فرصة حقيقية لتطبيقها، أما الرفض الإسرائيلي فهو متوقع، وهو جزء من محاولاته للضغط على الدول العربية ودفعها إلى تقديمتنازلاتأكبر.”

قدس برس

.