كتب - كابتن أسامة شقمان - تعد البطالة واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن، ومع كل عام تُصدر الحكومة بيانات وإحصاءات حول معدلات البطالة، إلا أن الواقع يكشف عن إخفاق واضح في معالجتها بفعالية. فبحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2024، بلغ معدل البطالة 21.4% بانخفاض طفيف عن العام السابق، وهو ما تحاول الحكومة الترويج له كإنجاز، لكن الحقيقة أن هذا التحسن الضئيل لا يعكس تحسناً حقيقياً في سوق العمل، بل يخفي وراءه مشاكل أعمق تتطلب حلولاً جذرية، وليس مجرد أرقام تجميلية.
من أبرز المفارقات في تقرير البطالة لعام 2024 أن معدل البطالة بين الذكور انخفض إلى 18.2% مقارنة بعام 2023، بينما ارتفع معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى 32.9%. هذا الارتفاع الحاد بمقدار 2.2 نقطة مئوية يطرح تساؤلات خطيرة حول السياسات الحكومية المتعلقة بتمكين المرأة في سوق العمل. كيف يمكن اعتبار هذا "تحسناً" بينما تواجه النساء تحديات أكبر في الحصول على فرص عمل؟ إن هذا الارتفاع يشير إلى خلل واضح في السياسات الاقتصادية التي يبدو أنها تكرس التمييز بدلاً من أن توفر حلولاً متكافئة لكافة المواطنين.
المؤشر الأخطر الذي كشفه تقرير البطالة هو استمرار معاناة حملة الشهادات الجامعية، حيث بلغ معدل البطالة بينهم 25.8%. رغم أن الرقم شهد انخفاضاً طفيفاً مقارنة بعام 2023، إلا أن المشكلة الأساسية لا تزال قائمة.
تستمر الجامعات في تخريج آلاف الطلبة سنوياً دون أن يكون هناك تخطيط حكومي حقيقي لاستيعابهم في سوق العمل؟ إن غياب التنسيق بين المؤسسات التعليمية واحتياجات السوق، وعدم وجود برامج حكومية فعالة لدعم المشاريع الريادية والابتكار، يجعل من الشهادة الجامعية عبئاً بدلاً من أن تكون مفتاحاً لفرص العمل.
من الواضح أن الحكومة تتعامل مع ملف البطالة بطريقة سطحية، حيث تكتفي بإعلان أرقام وتحقيق "تحسن طفيف" بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية. لا تزال سياسات التوظيف الحكومية تعتمد على حلول مؤقتة، مثل برامج التدريب غير الفعالة، أو عقود التشغيل المؤقتة التي لا تقدم استدامة حقيقية للعاملين.
كما أن غياب بيئة استثمارية جاذبة وتفاقم الضرائب والرسوم على القطاع الخاص يؤديان إلى عزوف الشركات عن التوسع في التوظيف.
إذا أرادت الحكومة معالجة مشكلة البطالة بجدية، فإن عليها اتخاذ إجراءات حقيقية تشمل:
إعادة هيكلة التعليم العالي ليتناسب مع احتياجات السوق الفعلية، بدلاً من الاستمرار في تخريج تخصصات غير مطلوبة.
تحفيز القطاع الخاص من خلال تخفيف الأعباء الضريبية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لخلق فرص عمل جديدة.
تعزيز ريادة الأعمال عبر توفير دعم حقيقي للشباب الذين يرغبون في إنشاء مشاريعهم الخاصة بدلاً من انتظار وظائف غير متاحة.
تمكين المرأة اقتصادياً من خلال سياسات تشجع توظيفها، بدلاً من تجاهل ارتفاع معدل البطالة بينها.
إن استمرار الحكومة في اتباع نفس الأساليب العقيمة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة، وما لم يكن هناك تغيير حقيقي في السياسات الاقتصادية، فإن البطالة ستظل شبحاً يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الأردن.
.